فعلُ يكونُ - أندريه بريتون | اﻟﻘﺼﻴﺪﺓ.ﻛﻮﻡ

شاعر فرنسي (1896-1966). تم ترشيحه لجائزة نوبل للآداب 3 مرات في الفترة ما بين (1963-1964)


1239 | 0 |




أعرفُ الترسيمَ العامّ لليأسِ. ليسَ لليأسِ أجنحةٌ، وهو لا يجلسُ بالضرورةِ إلى طاولةٍ نظيفةٍ في المَساءِ عندَ شُرفةٍ تُطلّ على البحرِ. هو اليأسُ لا رِدّةَ قسطٍ من الحقائقِ الثانويةِ كالبذورِ التي تُخلِّفُ أُخدوداً إلى آخرَ والليلُ يَسجو. ليسَ الطُّحلُبَ النامي على صخرةٍ أو الرغوةَ التي تتَهَزهَزُ في كأسٍ. هو مركَبٌ يُغَشِّيه الجليدُ، بتَعبيرٍ أدقّ، كالطيرِ وهو يخِرُّ بينما دمهُ لا يَحملُ أدنَى كثافةٍ. أعرفُ الترسيمَ العامّ لليأسِ. شَبحٌ دقيقٌ للغاية، تُحدِّدهُ جواهرُ مَشغولةٌ بالشَّعر. هو اليأسُ. قِلادةُ لؤلؤٍ من دونِ مِشبَكٍ قد تجدهُ وليسَ له أن يُدَلَّى بخَيطٍ. يأسٌ هو يأسكَ. لا تدَعنا إلى الراحةِ. فما إن نبدأ اليأسَ لا يتوقّفُ. أنا بنفسي أيأسُ من خيالِ النورِ قُربَ الساعةِ الرابعةِ، أيأسُ من المِروَحةِ إزاءَ منتَصفِ الليلِ، أيأسُ من السّيجارةِ التي يُدخّنُها الناسُ وهم في طابورِ الموتِ. أعرفُ الترسيمَ العامّ لليأسِ. ليسَ لليأسِ قلبٌ، وتمَسُّ يدي دائماً يأساً منقَطِعَ الأنفاسِ، اليأسَ الذي لا تحكي لنا مراياهُ أنه ميتٌ. وقد أعيشُ على ذلكَ اليأسِ الذي يفتِنُني. أُحبُّ تلكَ الذبابةَ الزرقاءَ التي تُحوِّمُ في السماءِ حينَ تُهَمهِمُ النجومُ. أعرفُ الترسيمَ العامّ لليأسِ بمفاجآتهِ المُرهَفةِ الطويلةِ، يأسِ الخُيلاءِ، يأسِ الغضبِ. وها إني أنهضُ يومياً كالآخرينَ فأمدُّ ذراعَيّ إلى ورقِ الحائطِ الزَّهريّ. لا أتذكّرُ شيئاً كما يحدثُ في اليأسِ فأكتَشِفُ شَجرَ الليلِ المقتلَعَ البديعَ. وبديعٌ هواءُ الغرفةِ كمَضاربِ الطّبلِ. يا لهُ من جَوٍّ عاصفٍ. أعرفُ الترسيمَ العامّ لليأسِ. لكأنهُ ريحُ الستارةِ في طيّاتهِ يدُ العونِ. وهل لكَ أن تتَصوّرَ هذا اليأسَ؟ النارُ! إنهم في الطريقِ إليكَ... فالنجدةَ! ها إنهم يتساقَطونَ من النجومِ... والإعلاناتُ في الجرائدِ، والشاراتُ المضيئةُ على طولِ القناةِ. كثيبُ رملٍ، اركُله، فأنتَ كثيبُ رملٍ ملوَّثٍ! ليسَ للترسيمِ العامّ لليأسِ أدنَى أهميةٍ. فهو زُمرةُ أشجارٍ قد تؤلّفُ في النهايةِ غابةً، زمرةُ نجومٍ قد تؤلّفُ في النهايةِ أصغرَ من يومٍ، زمرةُ أيامٍ أصغرُ من يومٍ قد تؤلّفُ في النهايةِ حياتي.







(ﺟﻤﻴﻊ ﺗﺮﺟﻤﺎﺕ محمد عيد إبراهيم)
اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ (0)   

أعرف اليأس بملامحه الكبيرة. اليأس ليست له أجنحة، إنه لا يجلس بالضرورة أمام مائدةٍ خالية في شرفة، بالليل على شاطئ البحر. إنه اليأس، لا عودة بعض الأشياء الصغيرة كالبذور، التي تترك عند هبوط الليل حفرة من أجل حفرةٍ أخرى. ليس هو الأعشاب على حجر ولا هو كأس الشراب.
إنه سفينة ثقبها الثلج، إن شئت هذا، كالطيور التي تهبط وليس لديها أدنى كثافة. أعرف اليأس بملامحه الكبيرة. شكلٌ صغير جدًّا، تحدُّه جواهر معلقة بالشعر.
إنه اليأس. عقد لؤلؤ، لا يعرف الإنسان له قفلًا بل ولا يعلق وجوده في خيط، ذلك هو اليأس. نحن لا نتكلم عن شيءٍ آخر. نحن لا نكف عن اليأس، إذا ما بدأناه. أنا، أنا أيئس من غطاء المصباح حول الساعة الرابعة، أيئس من المروحة حول منتصف الليل، أيئس من سيجارة المحكوم عليهم. أعرف اليأس بملامحه الكبيرة. اليأس لا قلب له، اليأس المقطوع الأنفاس يفتتح اللعبة دائمًا، اليأس الذي لا تقول لنا المرايا أبدًا إن كان قد مات. أنا أعيش على هذا اليأس الذي يفتنني. أحب هذه الذبابة الزرقاء، التي تطير في السماء عندما تدندن النجوم. أعرف اليأس بملامحه الكبيرة، اليأس باندهاشاته الطويلة النحيلة، يأس الكبرياء، بأس الغضب. أستيقظ كل صباح كما يفعل كل الناس وأفرد ذراعي على بساط من الورق منقوش بالزهور، لا أتذكر شيئًا، وأكتشف دائمًا في يأسٍ أشجار الليل الجميلة التي اقتلعت من جذورها.
هواء الحجرة جميل مثل عصى الطبلة. إنه جو الجو. أعرف اليأس في ملامحه الكبيرة. إنه كريح الستارة التي تساعدني في الشدائد. هل خطر مثل هذا اليأس على بال أحد! نار! آه، إنهم سيعودون … النجدة!
ها هم أولاء يسقطون في بير السلم … وإعلانات الجرائد، واللافتات المضيئة على طول القنال. كوم الرمال، اذهب يا كوم الرمال السخيف! في ملامحه الكبيرة ليس لليأس أهمية. إنه سخرة أشجار، تتكون منها غابة، إنه سخرة نجوم، ستصنع يومًا أقل، إنه سخرة أيام أقل، ستصنع حياتي.


(ﺟﻤﻴﻊ ﺗﺮﺟﻤﺎﺕ عبد الغفار مكاوي)
اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ( 0)   






دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: