مناجاة منتصف الليل - أوكتافيو باث | اﻟﻘﺼﻴﺪﺓ.ﻛﻮﻡ

شاعر مكسيكي حاصل على جائزة ثربانتس للآداب عام 1981 وعلى جائزة نيوستات للأدب عام 1982 وعلى جائزة نوبل للآداب عام 1990 (1914-1998)


2083 | 0 |




كنت نائمًا في حجرة –متمدنة- لفأر،
حين همس أحدهم في أذني قائلًا:
"أنت محاصر بالأشباح التي تخرج من عقلك،
تهذي فتراهم يقبلون أو يقتلون
يضغطون على شفاه الآخرين، يخترقون أجساد الآخرين
عالم لا محدود يولد من أجسادهم كل يوم،
الحجر يحيا وينهض،
كل شيء، حتى الغبار نفسه، يغدو لحمًا يتنفس".

فتحت عينيّ محاولًا الإمساك بالزائر الغامض
حاولت القبض على عنقه لأكشف سره، صنيعة الدخان،
لكني لم أر إلا مجرد ظل ضائع في الصمت، هواءًا في هواء.
وحيدًا مرة أخرى، في ليلة موحشة مسهدة،
ضربت رأسي حمى باردة،
بحر غائر يمور أسفل بحور من جليد.
السنين التي ولّت تجري في شرايني،
عقد دموية كانت فيما مضى تبدو مثل شفاه،
شفاه منحنية كخلجان براقة لظل مشع،
آمنت أن في النهاية، ستخبرني الأرض بسرها،
بمنبع ريح الجنون واليأس،
الله، الجنة، الصداقة، الثورة.. أو الوطن.

ومن بين الأشياء كلها ظهر واستقام،
فقط ليغرق نفسه ثانية،
مثل سفينة غارقة في محاولة أخيرة،
شبابي؛ شبابي المدفون،
البراءة الفطرية تروض بالكلمات، بالمبادئ البراقة،
بالماء الطهور، مرآة الشجر والسحاب،
هكذا تعتم كثير من النفوس الزكية.

سيد الكلمة، والماء، والملح
الأشياء كلها تولد من جديد، كما البدايات،
لو مست أناملي سباتهم الأبدي،
يتبدلون من هيئة لأخرى،
ربما في صورة أكثر سرية، لكن بوضوح،
وللإجابة على أسئلتي الحائرة،
أصبحت النار دخانًا،
أوراق الشجر المرتجفة، الماء الشفاف،
الأعشاب الخانعة والطحالب بين الصخور، والصخور
جميعهم أصبحوا ألسنة.
ومن على قمة ساقها الخضراء، حدثتني زهرة حمراء
فهمت لغتها المشفرة؛
كل ليلة تفتح كلمة سحرية أبواب الجنان،
والشمس ذاتها، الذهبية الصلبة، تشرق أمام سيفي الخشبيّ.

سماء زاخرة بالسفن وحطامها،
أشباح خائرة،
أبحرت في ثنايا عبيرك
غرقت في شعابك الخادعة؛
فقدت نفسي في زبدك،
وأنا أتحسس طيورك البلورية،
وأتوق لصمتك، وشواطئك المهجورة.
الشباب، فاكهة تفنى بفعل السنين،
مركب ورقي مهجورة في طمي أمطار الظهيرة،
أتذكر تلك الشجرة، هذا النبات الوارف، الجزيرة الصامتة،
الممتدة كما ضربة حظ لا نهائية،
المشرقة عند انتصاف النهار،
المظلمة الآن بفعل عودة الطيور في الغروب الممل الفاتر؟
أتذكر الجهنمية المشتعلة، أعلام كاثولوكية
أعلى خمائل رمادية،
أتذكره، ذاك الأصيل المهيب، الذي كان مثلما لم تره من قبل أبدًا،
معراج أرجواني صوب السماء؟
أتذكر النبع، الأخضر فوق الصخور،
بركة الطيور،
البنسفج دقيق الحجم، المختبئ دومًا بجوار أوراقه الساترة
والليلك المصفوف في انتظار صلاة الزوال
طائر الأطيش، بصرخته الصفراء، نفير الزهور،
شجرة التين بأصابعها التي كما الأوراق، ربة هندوسية،
الظمأ، وحلاوته اللاذعة؟
مملكة في التراب، قبر مطموس،
سماء بيعت مقابل القليل من الحكمة!

لا شيء يشعل الحماس،
النار لا تلتهم شيئًا، ولا حتى رمادها،
لا أيًا من تلك الدموع، ولا تلك البهجة،
ولا تلك الرغبة في أن أصبح ضوءً في الهواء،
طفت ثانية.. ضعت في الفضاء.

أحببت بهاء الفم الغاضب والعيون الماسية،
أحببت الحب، أحببت شفاهه وعظامه،
حلمت بعالم تقدر فيه الكلمة على الخلق
لكن الألق مجرد شفرة، خادعة غالبًا،
الحب يقود للكراهية والنفور،
من يحلم الآن بصلاة للحياة
بينما يتلقى الجميع صلاة الموت؟

وحيدًا مرة أخرى، تحسست قلبي
حيث، كما أخبرنا الكبار، تولد الشجاعة ويولد الأمل،
لكنه نافر عبوس، يخفق
بمقطع مبهم،
بقايا الكلمة المدفونة: لا أعرف.

"في تلك الساعة" أخبرني: "البعض يحب ويقابل الموت على شفاه الآخرين،
آخرين يتمنون بجنون لو أنهم موتى،
وآخرين، ببساطة، يودون لو ماتوا على الجبهات،
دفاعًا عن الكلمة،
مفتاح من دم يغلق ويفتح أبواب الغد".
دم لتعميد العصر الجديد الذي تنبأ به النبي المختال،
الدم الذي على رجال الأعمال غسل أيديهم منه،
دم لكأس الخطباء والمستبدين،
يا قلب، يا ساقية الدم، أي أرض قاحلة تروي؟
أي شفاه جافة ترطب؟
شفاه الرب، الرب الظمآن، المتعطش لنا؟
هاوية لا يملؤها شيء.

عزمت الرحيل بحلول الليل
وانتظار إشارات التواصل مع رفاقي الخطاة عند الفجر،
لكن كما يضرب البرق الناسك المعتكف،
هاجس أسود تملك من روحي،
ماتت الشمس وحل ليل أبدي
الأكثر سوادًا وظلمة على الإطلاق
العالم، والأشجار، البشر، الجميع، أنا،
مجرد أشباح في أحلامي،
حلم ممتد بلا نهار، بلا صحو.
حلم لن يبلل الندى فجره الصامت.
حلم لن ينفخ له البوق يوم القيامة أبدًا.

لأن لا شيء، لا شيء، ولا حتى الموت، سينهيه.






(ﺟﻤﻴﻊ ﺗﺮﺟﻤﺎﺕ ضي رحمي)
اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ (0)   





الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.




حجر الشمس
( 3.4k | 0 | 0 | 1)
يقين
( 2.6k | 5 | 0 | 3)
البُسْتَانُ
( 2.3k | 0 | 0 | 1)
الجسر
( 2.1k | 0 | 0 | 3)
جسد على مرأى
( 2k | 0 | 0 | 2)
فجر
( 2k | 0 | 0 | 2)
إلهي افتح الباب
( 1.9k | 5 | 0 | 1)
هنا
( 1.9k | 0 | 0 | 2)
جسدان
( 1.8k | 0 | 0 | 2)
جار بعيد
( 1.8k | 0 | 0 | 2)
بعينين مغمضتين
( 1.7k | 0 | 0 | 2)
لا الأرض ولا السماء
( 1.6k | 0 | 0 | 1)
الآخر
( 1.6k | 0 | 0 | 2)
ثمة زمن داخل الزمن
( 1.6k | 0 | 0 | 1)
صداقة
( 1.6k | 0 | 0 | 2)
مصير شاعر
( 1.5k | 0 | 0 | 1)
لو أن ضوء هذا المصباح حقيقي
( 1.5k | 0 | 0 | 1)
وحي
( 1.5k | 0 | 0 | 1)
عَلَى امْتِدَادِ شَارِعِ غَالْيَانَا
( 1.4k | 0 | 0 | 1)
لمسة
( 1.4k | 0 | 0 | 1)
علامة تعجب
( 1.4k | 0 | 0 | 1)
حرف
( 1.4k | 0 | 0 | 1)
العُصفور
( 1.4k | 0 | 0 | 1)
حلم حواء
( 1.4k | 0 | 0 | 1)
بالداخل شجرة
( 1.3k | 0 | 0 | 1)
كتاباتك
( 1.3k | 0 | 0 | 1)
عاقبة التعميد
( 1.3k | 0 | 0 | 1)
شاعر
( 1.3k | 0 | 0 | 1)
لا مزيد من الكليشيهات
( 1.3k | 0 | 0 | 1)
غرفة فندق
( 1.3k | 0 | 0 | 1)
جزاء
( 1.2k | 0 | 0 | 1)
بين الرحيل والبقاء
( 1.1k | 0 | 0 | 1)
اسمُكِ
( 1.1k | 0 | 0 | 1)
الغائب
( 1k | 0 | 0 | 1)
غزليّة
( 983 | 0 | 0 | 1)
الحياةُ ملموحةً
( 974 | 0 | 0 | 1)
نافورة ماء
( 964 | 0 | 0 | 1)
نسيان
( 951 | 0 | 0 | 1)
يومٌ كباقي الأيام
( 947 | 0 | 0 | 1)
قرية
( 942 | 0 | 0 | 1)
حركة
( 932 | 0 | 0 | 1)
لقطة
( 922 | 0 | 0 | 1)
معكِ
( 914 | 0 | 0 | 1)
ليليّة
( 912 | 0 | 0 | 1)
مونولوغ
( 887 | 0 | 0 | 1)
تلة النجمة
( 882 | 0 | 0 | 1)
فجرٌ أخير
( 876 | 0 | 0 | 1)
أقنعة الفجر
( 862 | 0 | 0 | 1)
الجرة المكسورة
( 860 | 0 | 0 | 1)
عذراء
( 858 | 0 | 0 | 1)
زيارات
( 856 | 0 | 0 | 1)
خريف
( 852 | 0 | 0 | 1)
الشرفة
( 850 | 0 | 0 | 1)
طفلة
( 837 | 0 | 0 | 1)
تهليل
( 831 | 0 | 0 | 1)
داخل
( 823 | 0 | 0 | 1)
عبور
( 821 | 0 | 0 | 1)
صِنْوان
( 817 | 0 | 0 | 1)
حاضر
( 816 | 0 | 0 | 1)