الجزر والمد - عبد الرحمن الأبنودي | القصيدة.كوم

شاعر شعبي مصري، ساهم بجعل الإنتاج الشعري جزءا من الحركة السياسية وتطويرها باتجاه الديمقراطية (1938-2015)


1670 | 0 | 0 | 0



خرج الشتا وهلّت روايح الصيف
والسجن دلوقتي .. يُردّ الكيف
مانتيش غريبة يا بلدي..
ومانيش ضيف.
لو كان يا مصر بتفهمي الأصول
لتوقفي سير الشموس
وتعطّلي الفصول
وتنشّفي النيل في الضفاف السود
وتدوّدي العنقود
وتطرُشي الرغيف
ما عُدتي متمتعة وانتي في ناب الغول
بتندغي الذلة.. وتجتري الخمول
وتئني تحت الحمول
وتزيّفي في القول
وبأي صورة..
ما عادشي شكلك ظريف.
دوس يا دوّاس
ما عليك من باس
واكتم كل الأنفاس.
الضُّهر مليء بالناس
اللي حبيتهم..
دون ما يبادلوني الإحساس
وأنا عارف إني ما باملكهمش
لإني ما مضّيتهمشي في الكرّاس.
الناس اللي دمغها الباطل دمغ
اللي بتنضح كدب وتطفح صمغ
اللي بتحشش .. وما بتحسش
واللي بتضحك كل ما تنداس
دوس يا دوّاس.
قلت لنفسي
وانا آسف
ياما لنفسي باقول:
هل ينفعوا دول لنشيد معدول
واضح في العرض ووافي الطول..؟
في هذا الغيط الموبوء بديدان الهمّ
هل حتفتّح من تاني أزهار الدم؟
هل من تاني
حترجع صورة الشّعلة للبرواز
والقمصان.. تتعاص في الجاز
والطرابيش.. هتّواجه الجيش
وتعود تتفسّر كل الألغاز
في بساطة وإعجاز..؟
وإلاّ حتفضل دكاكين الدنيا..
تسلّمنا كفّ لكف
وتعرضنا على نفس الرف
وترمينا تحت الرجلين..
في آخر الصف؟
هل ينفعوا دول..
قوات سنوات الجمر؟

ينفعا ياخدوا أمر ويدّوا أمر؟
هل دول يرفعوا راية؟
يوصلوا غاية؟
هل دي نهاية؟
هل تصلُح تبقى بداية؟
وينخّ العجز بزهَق الناس
أزهق م الناس.
فوحي يا روايح المدن اللي بترمي الأوجاع
الاستمتاع بيكي.. مَشاع
وانتي هابّه من جورنان
أو وجهٍ عابر..
أو مذياع!!
والضُّهر.. وسيف الصيف السّاطي
والناس الدود الزاحفين في الواطي
حارسَاهم بدلة ظُبّاطي.
يا هذا اللون
إللي متشبّح في أرجاء الكون
عروض الأعداء الأندال
وموافقات الحكام.. الدُّون.
بحر الجثث الطافح..
جاي ورايح..
بروايح نِتنة.. وفضايح.
ويعلا ف برلماناتنا الموت
أوسخ صوت
تتعبّى شعوبنا في صفايح
تتحزم الأوطان في بالات
تندكّ في شوالات
تترمى في مواني المدن اللصة
وتخطفها القطورات
تتباع.. والعالم سوق
لا يسمع للشعب المخنوق
لا تسمح أصواته لأصوات!!
قلت له: "قد ما تبقى حقير
يحتفل العالم بيك
يكسيك
شهادات تقدير!!"
جفّت الرقصة الحبيسة
وعادت الأمة التعيسة
للسُّبات..
واتقلب لون الأماكن
كله ساكن..
والهدير الحلو.. مات.
إبتسم صاحبي وقاللي:
"لسّه نايم..؟"
قمت قايم
واتجهت معاه لحيث الاتساع
ثكنات الإنجليز آخر الميدان
الحرايق في اللواري
الدما ع الأرصفة
والجموع الهادرة
زاحفة من الحواري
الغبار خلق الصفا
مصر رعد .. نور غضب .. تِترهَب
كل لحظة تتكتب..!!
الجامعة طالعة رايتها ضِلِّتها
هدّارة جبارة..
صادقة في نيتها
بتتجه يمّ الوطن والموت..!!
و(شبرا) زاحفة تأكد التهديد
وتجمع التبديد
وصلت ميدان الفجر في المواعيد!!
النهر.. والضفة
نبَت هلال العيد
ومالت الكفة..
وصحيت الرجفة
مصر اللي لا لحظة ولا صُدفة
ثورة في ضمير النور.. بتتكوِّن.
رايات.. بدم البُسطا.. تتلوِّن
سَدوا الطريق كيف المؤامرة تفوت؟
"فلتسقط الخيانة
والقيادات الجبانة
نداغة الإهانة..
كريهة الريحة..
كريهة الصوت!!"
الغضب بيوالي إنشاد البيان
والوجوه الصامدة في وش الزمان
والرحابة في الصدور وفي الليمان!!
غابت الأسر الصغيرة في الوطن
إستوى ع الأرض وعي
صحيت الأمة ف هدير السَّعي
الوطن.. مفهوم وحلو ويتحضَن..!!
إلتفت صاحبي وقاللي:
"لسه نايم..؟
مش مظاهرات..
دي حاجات يفهمها شعبك.
إقفل العقل القديم وافهم بقلبك..
رقصة الزار القديمة.. الفرعونية
ع الخصيبة السندسية
لما يجتاحها الألم
لما تغمرها الإهانة.. والقدم..
تسحق الإنسان وتدهس القيم.."
إبتسمت
رقصة الزار القديمة..
الحميمة..
العظيمة لحدّ فكرناها ثورة..
فرق بين رقصة وثورة.
لا هي جايّة فوق حصان..
ولا في لحظة زمان
حتهب نابتة في الغيطان
ولا رقصة برجل حافية
ف مهرجان.
دكهه هادية
تيجي هادية.. وصوتها دامي
تعزل الكداب وتقبض ع الحرامي
تعرف الناس مش كُتل..
تعرف الناس بالوجوه.. وبالأسامي.
تيجي فاتحة القبر
نادغة الصبر.. قابضة الجمر.
تنصب محاكم الشعوب في كل قصر
تغيّر العصر..
إلى آخر الصفحات في سِفر الثورة.
إبتسم صاحبي وقاللي:
"حاذر م الارتفاع
سيبك م الاندفاع
حُفر حكومتك وساع"
إبتسمت
جفّت الرقصة الحبيسة
عادت الأمة التعيسة
إختفى كل اللي كان
اختفى كل البشر
واختفى كل المكان
تحت سنوات الهوان!!
وحاقولك إيه همَس الصوت للصوت
في البرلمانات/ الموت
قال له:
"أزكمها بريحتها
إوعى تمسّكها صحتها أو تدّيها راحتها.
إحقنها بحلم..
لو اتحقق.. إحنا اللي نموت
الحلم الأفيون الوهم
اللي من غير شحم ولحم
كلمها عن أموال جايّة..
وبنوك وبيوت
وصحاري خضرااااا
وازرع شجرة تطلع في الكاميرا
وقبل ما تمشي.. تموت.
واقفل بابك..
احذر حد يفوت
إنسان هذا العصر يا ابني
خوّان
لا يطيعك إلا ان كان عريان
وجعان
حاذر يشبع.
أجبن قدّامه
كون قدوته في الجبن.
إركع قدام أعداءك
يتعلم يركع.
علّمه يفزع لما ينخفض الدولار
زيّ ما إنت بتفزع!!
إنسان هذا العصر يا إبني
شرِه.. وحقود.. وجحود
زيّن له حياة الدود
هذا زمانك ومكانك
بالصدفة - وبعد عناء مهلك -
إتفتح الباب المسدود
خلف بلاهة القطعان.. عِند
المصريين.. همّ اللي اخترعوا الحقد
خلّي الكتلة عجين..
واطفي سراج فرعون.
إسرق
واستبدل سرقاتك بديون.
خلّى التهريب إنجاز وطني
وكرّمُه علني
إرفد كل الشرفاء وابقى الأشرف.
ارخي وشد..
لكن.. إنشف..
ممكن يعملها خروف أعجف
والدنيا ساعتها.. ما تعرفشي
طالعة علينا من فين.
فجأة يشوفو خيانتك
فجأة يكتشفوا الموضوع
فجأة يحسّوا الجوع
فجأة..
يصبح خرَس الأخرس مسموع
ويضيع صوتك في المجموع
وتقع في الظرف إياه
شفت الشاه!؟
هذا زمنك
وده أول مرة وآخر مرة
حيبقى وطنك!!
إسرع إسرع قبل الزحف المجنون
الشعب المصري لئيم جداً..
وماهوش مضمون!!
آهين يا رفاقة
لو كنت أعرف أرجَّع البكَرة
واجيب بكرة
أرسى ف مواني الحلم من غير عِلم
من غير عذاب.. ولا تضحِيات
ولا سجون.. ولا دم
واشوف نهاية الفيلم..
الفيلم تافه.. سخيف
بطلُه المفتح.. كفيف.
شريفُه هوه المطارد
ولصه.. هوّه الشريف
يا ما بليدة يا خطوة التواريخ
فقيرة الصورة
وباهظة التكاليف!!
تتعسني فكرة إني حاموت
قبل ما أشوف - لو حتّى دقيقة -
رجوع الدم لكل حقيقة
وموت الموت
قبل ما تصحى كل الكتب اللي قريت
والمدن اللي في أحلامي رأيت
والأحلام اللي بنيت
والشهدا اللي هويت
والجيل اللي هداني
والجيل اللي هديت.
قبل ما املِّس ع الآتي
وادفن كل بشاعة الماضي ف بيت!!
حاقولها بالمكشوف:
خايف أموت من غير ما اشوف
تَغيُّر الظروف
تَغيُّر الوشوش وتَغيُّر الصُّنوف.
والمحدوفين ورا...
متبسّمين في أول الصفوف!!
خايف أموت وتموت معايا الفكرة
لا ينتصر كل اللي حبيته
ولا يتهزم كل اللي كنت اكره
إتخيلوا الحسرة
إتخيلوا الحسرة
إتخيلوا الحسرة!
يا كلاب الدرب السعرانة النجسة
مانتيش م الدرب
ولا ربِّك نفس الرب!!
يادي المماليك الترك الشركس
يا لابدين
ورا كل نواصي التواريخ
بودان من طين وعجين
قابضين بإيديكو العاج
وبصوابعكو الصّفرين
على كل الوزارات والإمارات
والإدارات.. والمهارات..
والجنيهات.. والدولارات
والعمارات.. والفدادين.
عشرات ومئات السنوات
تتسلطوا ع الشعب المسكين.
الأجنبي ساكن الدم يا مصريين.
سرقوا السُّمرة من كل جباه الفلاحين
وعاصوا هدومهم طين
وبكل مهارة مداريين ناب الكلب.
يا رب
ضاقت بيا الأشعار
وحيطان الدار
كل الأشياء حواليا بتهزمني
حتى رفاقي اللي بادّعي إني منهم
واللي بيّدعوا إنهم مني
كله حواليا.. بيهزمني
لكني تني باغني.. مش مهزوم الصوت
ولا دّبش ولا حيدبش فيا الموت
الموت مش ممكن حيجيني
غصبن عني!!
ومهما عيَّروني بكل ذلك
حقيقة الأمر في الآخر تفوح
مانيش ساكن يا سيدى في الزمالك
أنا ساكن خرابة ع السطوح
وعمارة (صدقي باشا) في ضهري
فاهمين إيه معنى..
عمارة صدقي في ضهري؟
معنى ان عمارة صدقي
ف نفس الميدان
بتطّل على النيل الأسيان
وعلى الشاعر إبن النيل الغلبان
اللي بيحلم يفتح للفجر بيبان
ويقيد للفجر نيران
ويقرا للفجر بيان..؟.
وعمارة صدقي لسه عظيمة الشان.
ما زالت تحمل نفس الإسم..
ونفس الهيبة.
غابت في غبار الثورة يومين
لكن رجعت م الغيبة
تنظرلي: "يا جربوع السكان..
يا ابن الكَفر الحافي العريان
تسخر من كل الصدق ف صدقي
وكل الخيبة!!"
فات التاريخ. ولفّ لفّاتُه
لا صدقي مات ولا ابتساماته
المصبوغين بدم من ماتوا.
ما ماتوا غير الرجال اللي جمعهم هتاف
وقلب.. لم خاف
ووطن يقرقش لقمة سودا حاف.
تاواهم النيل المريب الصمت
وبلع حكايتهم مرور الوقت
والسجن.. وسنين الجفاف.
تِعبان مخيف النيل..
والجُحر.. الضفاف
م الجيزة عدى النيل
وفات في الزمالك
والليل.. مريب حالِك
وطل صدقي من العمارة الصفرا
سكران.. بلا خمرة
ومية النيل حمرا لون الدم
حمرا.. لحدّ الوقت
ما زلت اشوفها كل ما طلّيت
من فوق سطوح البيت!
وكام ذليل يا نيل وصبحك عِشا
وكام بليد الحسّ يا ملطشة
لزق القفا وركل الجزم أدمنت.
طاطيت واستسلمت
للحاكم الصُّدفة
الحاكم الجيفة..
أبو سحنة مخيفة وخايفة.
الحاكم المنهار
الساكن الأسوار
الحاكم المحروس..
بألف ألف جاسوس
الحاكم اللي صوته عَورة وعار!!
مأساتنا.. إن الخونة.. بيموتوا
بدون عقاب ولا قصاص.
مأساتنا
إن الخونة بيموتوا وخلاص
بدون مشانق في السّاحات
ولا رصاص!!
على كل حال
صدقي ما زال
صدقي على قيد الحياة
بيفجّر الدّم النبيل
ويبطش بالاستقلال
ويمرّغ الجباه
تحت الجزم والخيل
ويفتح الكوبري علينا
كل صبح وليل.
وصحيح.. معاكم إن شعبنا غافي
لكنّه ما زال حافي.
وكل ما بلده اتخرب
وكل ما وطنه اتنهب
وكل ما عرق السنين
اتفكّ.. واتباع.. واتسلب.
وكل ما تاهت الحقيقة
تحت أطنان الأكاذيب في الخطب
أظن ده كافي لشحنه بالغضب
وأكيد.. بيكتشف السبب.
وأكيد أكيد.. في كل يوم
بيتولد ـ في السرّ ـ من جديد
ويحنّ للمواعيد.
ومش بعيد..
بكرة تلاقيه تاني في عابدين
أو في أسوان الصعيد
في اسكندرية وبورسعيد
وفي السويس وفي طنطا والمنصورة
بيقطّع الصورة.
يهتف للاستقلال وللحرية
ويحرق الثُّكنات الانجليزية
في (ميدان الاسماعيلية).
الدم.. يرسم ع البدن
خريطة الوطن
ويحرر الزمن..
من الخيانة والعمالة والعفن
ويحبط المؤامرة..
(مؤامرة صدقى ـ بيفن)

فبراير 1981 - القاهرة





الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.