كانتْ هُنا .. ومُؤكِّدَاتٌ أُخْرى لأحوالٍ أكيدة - قحطان بيرقدار | القصيدة.كوم

شاعرٌ سوريٌّ (1977-) "أفرغَ الكأس واختفى في الضباب".


1719 | 0 | 0 | 0




حُبٌّ كانونيُّ الآهِ..‏
وعامٌ آخرُ يأتي بِسُكُونٍ‏
يَمْلَؤُهُ الصَّخَبُ المُترامي حَوْلي‏
فَرَحاً بِرَحيلِ الأيامِ الأَغْلَى..‏
بِرَحيلِ الطاولةِ البيضاءِ‏
عليها آثارٌ مِنْ حُزْنِكِ حينَ ذَهَبْتِ..‏
لأُقْسِمُ أَنِّي قَدْ شَاهدتُ ملائكةً‏
تَسْرَحُ بينَ زبائنِ هذا المقهى‏
تبحثُ عَمَّنْ ذَهبتْ دُونَ رَفيقٍ..‏
كي تُعطيهَا آثارَ الحُزْنِ الفَاتنِ‏
أو تُخْبِرَهَا‏ أنْ تَرْجِعَ في يومٍ آخَرَ‏
حتّى يَتَمازَج حُزْنَانِ غريبانِ شَهِيَّانِ‏
وَأَيلُولْ!..‏
لكنْ عادتْ بعدَ مُرورِ ثلاثِ سجائرَ‏
ودَنَتْ منِّي..‏
هَمَسَتْ في رِئَتَيَّ هواءً..‏
ثُمَّ رَمَتْ لي آثارَ الحُزْنِ وطارتْ..‏
طارتْ حتّى حَتَّ العِطْرُ النّازِفُ‏
منْ أجنحةِ النُّورِ صُخُورَ الأَمْسِ..‏
ونمتُ سعيداً ليلتَها‏
حتّى بَزَغَ الواقعُ في الأحلامِ‏
وشيءٌ فيَّ يَئِنُّ ويَرنُو بِذُهُولْ..‏
مالي الآنَ وأيلولْ!..‏
كنتُ أقولُ بِحُبٍّ كانونيِّ الآهِ‏
وعامٍ يأتي مُلْتَهِبَ الأعصابِ..‏
ومازلتُ وحيداً وقويّاً وطويلَ القامَةِ..‏
لا أَخْسَرُ رُوحي مِنْ أَجْلِ سَرابٍ‏
والريحُ أُكَوِّرُهَا بينَ يَدَيَّ‏
وأَرْميها لِلْخَلْفِ..‏
وَأَنْسى الماضِينَ..‏
وأُحْيي بينَ غُصُونِ الجُرْحِ‏
العُصْفُورَ المَقْتُولْ..‏
كنتُ سَأَبْسُطُ رُوحي بَرَّاً‏
لَلْقَدمَيْنِ الخَائِفَتينِ منَ المجهولْ..‏
لكنْ حينَ يُهاجِرُ ماءُ البحرِ‏ وماءُ النهرِ..‏
وتَنْقِرِضُ الأحياءُ المائيةُ‏
يُلْغَى الشَّاطئُ والميناءُ‏
ولا يبقى في العَالَمِ يَنْبُوعٌ يَتَرقْرَقُ..‏
ماذا يبقى لي ولِرُوحي المبسُوطَةِ بَرّاً‏
لِلقدمَينِ الخائفتينِ؟‏
وما فائدةُ الحُبِّ‏
وتقديمِ الرُّوحِ بآنيةِ الفَخَّارِ؟‏
سَأُعْرِضُ عَنْ هذا‏
وأَغيبُ.. أَغيبُ إلى أنْ يَهْطُلَ فَجْري‏
بعدَ هُيَامي وتَلاشِيَّ وراءَ الغيمِ الأسودِ‏
عَلَّ الطفلَ ينامُ قليلاً‏
بعدَ السَّهَرِ المَغْلُولْ ..‏
* * *
كَانَتْ تَبْكِي..‏
والمدفأةُ الحائرةُ بِجَانبها تَتَثاءَبُ..‏
والقهوةُ تَفْشَلُ فِي إِرْضَاءِ الذَّوْقِ‏
فَيَلْتَحِمُ الفَشَلانِ عَلَى شَاهِدَةِ المَهْدِ‏
فَيَبْكِي الطِّفْلُ..‏
وتَرْتَبكُ الأَلْطَافُ‏
تَمْوتُ الْوَمْضَةُ قَبلَ النُّورِ..‏
نَعُودُ كَمَا جِئْنَا..‏
وَنَجِيءُ كَمَا عُدْنَا..‏
وَنُحَاوِلُ تَسْويةَ الْمُتَماوِجِ فِيِنَا..‏
فَيُرِيْنَا النَّرْجِسُ بَعْضَ مَخَاوِفِهِ‏
إِنْ تَمَّ عِنَاقٌ بَينَ فَرَاشَاتٍ وَحُقُولْ!..‏
والثَّلجُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ الأَحْدَاثِ‏
بَرِيءٌ وَخَجُولْ..‏
لا يَملكُ إِلاَّ أَنْ يَتَسَاقطَ‏
فَوْقَ سُقُوطِ الرَّاعِشِ وَالمُتَوهِّجِ..‏
يَصْهَرُنِي هَذَا الْمُتَرَاكِمُ فَوْقَ نِدَاءَاتِي‏
فِي هَذَا القَفْرِ الوَاسِعِ فِي الضِّيْقِ المُمْتَدِّ‏
إِلَى مَا شَاءَ اللَّيلُ الوَاضِحُ..‏
وَابْنُ الرُّوميِّ وحيدٌ مِثْلِي‏
فِي قَارِعةِ القَهْرِ..‏
يَرَانِي فَيُعانِي ثُمَّ يَمُوتُ!.‏
أُرِيدُ العودَةَ..‏
أُمِّي فِي البيتِ..‏
أَخَافُ أَموتُ كبائعةِ الكبريتِ هُنَا..‏
والثَّلجُ يُغَطِّينِي..‏
واللَّيلُ يَمُرُّ‏
وَلاَ أَمَلٌ بِوُصُولْ..‏
كُنْتُ أَقُولُ بِحُبٍّ كانونيِّ الآهِ‏ِ
وَعَامٍ آخَرَ يأتِي..‏
وملائكةٍ تَسْرَحُ فِي أَيْلُولْ..‏
والثَّلْجُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ الأَحْدَاثِ‏
بَرِيءٌ وَخَجُولْ..‏
* * *







الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.