راهبة القمح الحمامة - طالب هماش | القصيدة.كوم

شاعرٌ سوريٌّ (1966-) يتحدّثُ من وراء المرآة. ومن داخل العود.


1838 | 0 | 0 | 0




على النهرِ تمشي الحمامةُ
خلفَ خرير المياهِ
ويرتحلُ العندليبَ.
***

وتبكي الرباباتُ بَعْدَ الخريفِ
فترجيعُهَا موجعٌ في الحقولِ،
ونَغْمَاتُهَا السودُ رَجْعٌ غريبُ.
على النهرِ تعبرُ سَبْعُ جرارٍ
فَمِلْ نحوها!
مثلما طائرُ الصُّبْحِ
واسْقِ فؤادكَ ماءً حلالاً!
فسبعُ جرارٍ يزغردنَ في زرقةِ الحبرِ
فوقَ بياضِ القصيدةِ
مِلْنَا إلى فِيْكَ
والشّعرُ معنىً رحيبُ .
فَنلْ ما تشاءُ من الطَّلْعِ!
وانضحْ بنبعكَ!
إنكَ قمحٌ
وبذرةُ روحِكَ
شهوةُ صلصالةٍ للتفتُّحِ
لامَسَهَا في الغداةِ هبوبُ .
***

على النهرِ ترعى الأيائلُ
حتى المغيب..
وتبقى ثيابُ الطفولةِ عائمةً
كرسائلِ طفلٍ من اللوزِ
سِرِحَهَا في الصباحِ غناءُ .
وَطَيْرٌ لروحِكَ حَلّقَ في الصبحِ
مثلَ الإوزّاتِ
فاكسرْ ثلاثَ زجاجاتِ حبرٍ!
على رِعْشَةِ الماءِ
وارفعْ يديكَ!
لتأتي الحبيبةُ حينَ تشاءُ.
لها.. للخزامى على راحتيها
لطفلِ الغزالةِ يشردْ خلفَ الطفولةِ
وهي تغنِّي ،
لدقِّ النواقيسِ في العيدِ..
هذي الضفائر تتركها
للهديلِ النساءُ.
***

إلى النهر
تأتي الحبيبةُ كيما تزوّجَ
للقمحِ ناهَدَهَا الغضّ
قبلَ صعودِ الحليبِ إلى حَلْمتيها
وتُرخي جديلتَهَا لحفيفِ العنبْ.
وتلهو مع الصيفِ
مثلَ عروس البحيراتِ
فاردةً ثوربها فوقَ حقلِ الذهبْ.
***

على النهرِ
تنصتُ سنبلةٌ للغيابِ
وتسبلَ أجفانها للعتابا..
وليسَ لها غير هذي الحساسين
تبكي إليها،
تحكُّ يديها
وتبني على شَعْرها خيمةً من قصبْ.
***

على النهر يرتحلُ العندليبُ الوحيدُ.
***

على النهر
يرتجلُ القمحُ موّالَ عاشقةٍ لتنامَ
فسيرقها من صداها النشيدُ..
وتولدَ أنثى الأغاني
ميممةً روحها للحفيفِ
فيشرقُ كأسٌ،
ويشرد نايٌ،
وينأى البعيدُ.
***

على النهرِ تمشي الحمامةُ
مثلَ الرسولةِ
والماءْ يرخي قميصَ نبوتّها
فوقَ حقلِ الصلاةِ
فتَحْدُو السماءُ على جرسِ الغيمِ
والغيمُ زاجلُ أرواحنَا
كلّما انفردَ النايُ بالحزنِ،
وامتدّ في شجرِ الليلِ عُوْدُ .
***

على النهرِ يرتحلُ العندليبُ الوحيدُ
إلى البيلسانْ.
***

على النهرِ تجلسُ راهبةُ القمحِ
مثلَ السحابِ
فيسقطُ في الماءِ ريشُ طفولتها
كالمناديلِ بيضاءَ.. بيضاءَ..
والحزنُ يَرْجِعُ بعدَ المساء
ليبكي على روحهِ
فوقَ صَدْرِ الكمانْ! .
***

على النهرِ يصبحُ اسمَ الصبيّة
طيراً
يُحلّق فوقَ الشآمِ
ويصبحُ ضلعُ الخطيئةِ أرملةَ للغريبِ
فينذرفُ الدّمعُ فوقَ خَلاءِ الطريقِ
من السنديانْ.
***

على النهرِ راهبةَ القمحِ
تومئَ للقبّراتِ
فتأتي رفوفاً، رفوفاً
وينفرطُ اللحنُ من جُرْحِ رابيةٍ،
ويموّتُ راعي الأيائلِ أغنيةَ النايِ
فوقَ الصخورِ فيبكي لها
عاشقانْ! .
***

على النهرِ قلبٌ فقيرٌ يحبُّ
وقلبٌ رفيقٌ يَشفُّ
وقلبٌ حزينٌ يحدقّ في الأقحوانْ! .
***

على النهرِ
يغمرُ سَاْقَ الصبيةّ ماءٌ
فتتركُ أجراسَهَا للغناءِ الأقلْ.
.. تميلُ مع الموجِ شيئاً فشيئاً
إلى أنْ يلامسَ موجُ الصبابةِ
أثداءها بالحفيفِ
فيطفرْ رفُّ الحجلْ.
***

على النهرِ تسرحُ شبّابةٌ للغناءِ
وتتركُ عاشقةٌ شَعْرَها للهديلِ
فنقّلْ على النايِ أنملكَ العشرَ! ،
واعفقْ على العودِ لحنَ الهدَلْ! .
***

على النهرِ تخلو إلى حزنها الروحُ
والريحُ تخطفُ شاْلَ الصبيّةِ للأرزِ
فابصمْ على اللوزِ سبعَ أناملَ بيضاءَ!،
وانقشْ على الشالِ زَهْرَ العَسَلْ! .
***

على النهرِ تمشي الحمامةْ مثلَ امرأةْ..
فَيَنْهَدُ مزمارُ راعٍ بعيدٍ
على رَبْوُةِ الفجر..
يطفرُ طيرُ البكاءِ..
يشفُّ رفيفُ البراءةِ في الحزنِ
وَجْهَ النساءِ..
وتترك أرواحها للرفيفِ القبلْ.









الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.