بكائيّة أخيرة لمنفى من نسيان ! - عائشة السيفي | القصيدة.كوم

شاعرةٌ عمانيّةٌ (1988-) تتفننُ في طرح الشعر.


2914 | 5 | 0 | 1




أعزِّيكَ يا صاحبيْ..
هلْ أخذتَ من الموتِ ما تشتهيْ ..
وبعثتَ إلى الشعرِ ما يشتهيْ؟
واستعنتَ بخمسينَ منفَى لتكتبَ آخرَ ما تركَ الفارسُ الحرُّ في كبوَاتِ الجيَادْ؟
هلْ أعزيكَ يا صاحبيْ بالفنادقِ؟
هلْ تركَ العمرُ فيها استراحتهُ؟
هلْ كفاكُ الغيابُ الذيْ ساعِدَاهُ المدَى ..
ويدَاهُ الطّريـــــــقُ .. الطريقُ البعيد؟
***
أعزّيك يا صاحبيْ .. بالقصيدَة..
هذيْ القصيدَة أكبر منكَ ومنيْ
وأصغرُ منْ شهقةٍ ووريتْ في سرِير منَ الذكريَات اشتكَى !
نريدكَ لكننا لا نريدُ بكاءك ..
لمْ يتبقَ منَ الشّعر إلا بكاؤك فاحمل بكاءك في صرّة وارتحلْ .. خلفَك الراحلُون إلى نهرِ دجلَة حجّوا وآبُوا إلى موتهم وسوَى أنت عدتَ إلى نخلةٍ وتوسّدتَ ظلّك .. كيفَ تحجّ القصيدَة نحوكَ؟ والشّعر لما يمتْ فيكَ ..
خذ شهقَة النايَ واتركَ لنا الشّعراءَ ..
خذ الوحيَ واتركْ لنا الأنبياءَ
خذِ الرّيح واتركْ لنا الصّلواتِ القديمَة واتركْ لنا ما يريدُ النّبي الأخير من الوحيِ؟
واتركْ لنا التّيه في جسَدِ الرّمل .. لا شيءَ يمنحنَا وجهةً نحوَ أرضكَ إلا كمَانٌ من الموتِ عبَّأ أوتَارهُ واكتفَى
***
أريدكَ للخمرِ .. فاسكُب كؤوسكَ في جسدِ الشّعر
وامضَ كأنكَ موسَى إلى التيهِ
وامضَ كأنكَ قابيلُ نحوَ خطيئتك الأبديّة
هذيْ القصيدَة ذنبك ..
أنتَ صغيرٌ على الموتِ .. لكنْ كبيرٌ على الشعرِ ..
فاستغفرِ الشَعرَ واكتبْ صلاتك: آمنتُ بالشعرِ، هذا أنا صُورَة الشّعر .. وافنَ كمَا فنيَ الـ قالَ : “هلْ صورَة الشيءِ أقوَى من الشيءِ؟ لولا مخيّلتي قالَ لي آخرِي: أنتَ لستَ هنا”
***
وأعزّيك يا صاحبيْ بالوصَايا
الـ تعشّش في ساعديكَ اللتين بدمعكَ أغرقتَ فيها جميل النوَايا
أعزّيك بالليل فالليلُ يسترُ أحزاننا حينَ تكشف عن ثديِها نجمة ٌ أغرقت في سرير الخطَايا
إذنْ فلتكُنْ نجمَة ً مسّها الليلُ فارتعشَتْ مثلمَا الجسدِ البكرِ فيْ شهوةٍ من رخامْ
***
أريدك يا صاحبيْ مثلما أنتَ للشعرِ لا الفقرِ/ سيِّدُنا الفقرُ نحنُ الذينَ إذا صافحَ الجُوعُ أجسادَنا، مرّ يمطرنَا الشّعرُ ماءً وحزناً
أعزيك يا صاحبي بدمي .. مت خفيـــفا كموت أبيْ .. حلماً ناعماً
لا تزالُ حموضة هذا الفناءِ المُـُلِحِّ تذيبُ فميْ ..
ولأنّك ضاجعتَ أمّ القصيدَة خذنيْ إلى ابنكَ سيّدنا الشّعر كي تستقرَّ النبوَّةُ في أضلعيْ
ويَكشّف عن ساقهِ الشّعر خمراً حلالا
أحلّ لك الشعر
فاكتب لنا الآن أجملَ شعرِ رثائِكَ
واكتبْ من الشّعر ما لا يشابهُ إلاك يا صاحبيْ
فلأعزِّيك أكثر .. لكنْ بماذا أعزّيك؟
بالدمع؟ بالفقرِ؟ بالجوعِ؟
دعنيْ أعزّيك بالشعر
الشعر أجمَل فيْ الموتِ ، أجمَل حينَ يقومُ النبيّ إلى حتفهِ في العشاءِ الأخيرْ
***
أعزّيك يا صاحبيْ كان يمكنُ أن نلتقيْ في ممرّ القصيدَة/
تلزمنَا لغة ٌ خارجَ النحوِ تكسرُ ما لم يمرّرهُ آلهة ُ الشعرِ في دمنَا
وتحيل المثنّى إلى مفردٍ خرجَ البحرُ من فمهِ وتدلّى كما تتدلّى الموسيقا على قطعةٍ من كمانْ
كانَ يلزمنا أن نفكّرَ أكثر حتى نقرّر أكثرَ حجمَ حقائب نودعُ فيها خراءَ القصيدَةِ
نودعُ فيها دموعاً بعمر ثمانينَ عاماً تسيلُ سريعاً كما يسكبُ الماءُ أحزانهُ في الطريقِ ..
أعزّيك يا صاحبيْ ، فلأعزّيك أكثر .. أعرف ألا عزَاء سوَى الشّعر ..
أعرف يا صاحبيْ ولهذا أعزّيكْ بالشّعرِ .. هذا النبيّ القدِيم/
أريدُكَ للشعرِ يا صاحبيْ /فهاتِ القصيدَة كيْ نسكرَا
وهاتَ نبيذكَ كي نحتفيْ/ بملحٍ تراءَى لنا سكَّرا
نريدكَ للشعرِ فابسطْ لنا/ عصاكَ وأمطِرْ لنا كيْ نرَى
نميرُكَ شهدٌ وشعرُكَ وِردٌ/ وحولكَ يغدُو الحمَى أخضرَا
أناكَ الغيَابُ وأنتَ الإيابُ/ أناكَ الثريَّا وأنتَ الثرَى
فنحوَ عيونكَ حجَّ فؤاديْ/ وعنْ ساعديَّ الهوَى شمَّرا
أريدكَ للشعرِ يا صاحبيْ/ فعمرُ قصِيدتنَا سافرَا








الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.