خلود تنجح في امتحان الموت - شوقي بزيع | القصيدة.كوم

شاعرٌ وكاتبٌ لبنانيٌّ تمكَّن من كتابة ما لم يكتب قبله ولا ينبغي لأحدٍ من بعده. حمل بردة عكاظ. حائز على جائزة العويس الثقافية دورة 2016-2017 في مجال الشعر (1951-)


1950 | 0 | 0 | 2




لا ماءَ في الكلماتِ
كي أدعو الرثاءَ الى جنازتها
ولا أقمارَ كافيةٌ،
يقطِّرها الحنين كدمعةٍ ثكلى
على دمها المراق،
وذلك الألم المصبَّر
في مخابئهِ
سيبحث دون جدوى في الخراب الصرفِ
عن طرق ملائمة
ليحملها على كفَّيه،
قبل الطائرات بجثَّة
كانت خلودُ صبيَّة قمحيَّة العينين
يضبط عقربُ الأزهار
ساعتهُ
على إيقاع مشيتها،
ويتكئ الصباح على ابتسامتها
إذا ابتسمتْ،
ولا يتجرأ الدفلى على التحديق
في فمها المراهقِ
وهو يمعن في تفتُّحهِ،
وما كانت لتحلم أن تكون
وقد تماهت مع تظاهرة العناصرِ
غير ما كانته:
أنثى من قصاصات الغيومِ
ومن ثغاء النبع في الوديان،
ما كانت لتأخذها الظنونُ
إلى احتمال الموت،
كان الإسم في حسبانها
عينَ المسمَّى
والحياة تضيء من تلقائها
حلم الخلود
في جوف هذي الأرض ما يكفي
من الأمواتِ،
قالت في سريرتها،
لذلك ثَمَّ بَعدُ مساحة للبحثِ
عن طيفٍ تواعده
قبيل النوم،
ثمَّ سواحلٌ سكرى
تمدُّ لها ذراعيها اذا اكتأبت
بلا سببٍ،
ولم يبدر من الأيام ما يوحي
بأن الشمس تغرب قبل موعدها
إذن،
سيكون حراً ذلك الخفر المثلَّم
بالنعاس
بأن يريق، متى يشاء،
رذاذ حمرتهِ على وجه الفتاة،
وذلك السحر المكوَّر كالمحارةِ
فوق لؤلؤهِ
سيخرج جامحاً من عهدة النسيان
لكن، فجأةً
وبلا مقدمةٍ تجيء الطائرات
لتقصف الأعمار في ريعانها
وتدكّ حائط حلمها القاني
على من فيه،
لا أملٌ بصوتٍ بَعدُ،
إذ لو كان للشرفات صوتٌ
لاستغاثت،
لا حدودْ
بين الحديد وجسمها
لترى خلود الفرق بين جمالها
وجمال أُختيها،
خلود الآن في الرمق الأخير
من الحكاية،
لست أعرف ما الذي فعلتهُ
وهي تراود الأشباح
تحت ظهيرةٍ منزوعة العينينِ
عن نفق يعود بها
إلى حضن الطفولةِ،
لست أعرف ما الذي فعلته
في تلك الثواني الفاصلهْ
بين البراءة
واشتعال النارِ
في الجسد المهشَّمِ،
ربما كانت تُجيل الطرف في الجدران
بحثا عن خلاص ما
يطلُّ من الزوايا،
ربما كانت تودُّ لو انها تجري
مع الأنهار نحو البحر،
أو تمتصها القيعان كالحشرات،
أو تنحل في الأفلاك
مثل مجرّة هرمتْ،
ولكن ليس من أحد يُصيخ السمع
في هذا النهار الجاف
غيرُ حفيف أجنحةٍ تُحَلِّقُ
كالدمى السوداء
فوق الأرض،
حيث خلود لا تحتاج بعد
إلى مساعدة
لتنجح في امتحان الموت،
يلزمها فقط عينان كي تتهجأ الألوان،
عكّازان كي تجتاز باب البيت
دون مشقةٍ
وتطير نحو الله ثانية
لتسأله:
هل الإنسان أفضل كائناتكَ؟
هل سيمكنك التجلِّي فيه
وهو يخونً
- متحدا مع الفولاذِ -
عهدَكَ؟
يا إلهي
كان ينقصني فقط سنتانِ
كيما أبلغ العشرين،
لكن الحياة بخيلةٌ كالمعجزات
ولا سبيل إلى وجودٍ
غير هذا اللحم
كي أكسو به عري العظامْ...
لن تشبه الكلماتُ بعد اليوم
معناها،
ولا أوجاع يمكن أن يُدوِّنَها
الشقاءُ على جبينك
يا خلود
ولست أعرف ما يدور هناكَ،
حيث الروح ما زالت
معلّقة
كأسرجة على القتلى،
وحيث فراشة الفانين
ما زالت تحوم على الركامْ
لذلك لا أريد
سوى تتبُّع ذلك الصوت
الذي تنحلُّ في ريحٍ
بلا ناجينَ
غصَّتُهُ
وترفعه مع الكابوسِ سيقانُ الظلامْ
ولا أريدُ
وقد تكفّلتِ السماء
بما تبقَّى من جفونكِ،
غير تمرين الفراغ
على احتضان جمالك النائي
لتتَّشح النوافذ
بالسوادْ
لو كان لي جَذَلُ الطيور السابحات
على الذرى
لفصلتُ تلك الإستغاثة
عن أزيز الطائرات،
لو الغيومُ تكشّفت كالظنِّ
حادسةً بما تخفي السماء
وراء زرقتها
لضلّلت الترابَ
عن ابتسامة ثغرك الكرزيِّ،
لكن يا خلودْ
هبيني قلت إنكِ متِّ،
إن يديك أخطأتا طريقهما
إلى الدنيا
وحنطة شعركِ المضفور بالأمواج
باتت تستريح الآن
في كنف الترابِ
فهل تصدِّقني الكتابة؟
هل تصدِّقني براعم سحرك الفوّاح
وهي تقود رمّان الجبالِ
إلى مهاجعه البعيدةِ،
يا خلودْ
ما من مناحاتٍ تناسبُ
ذلك الجسد المعفَّر
بالرمادْ
ما من بصيصٍ بَعدُ
يرقد في مآقي العين
غير
حطامِ
نظرتكِ
الأخيرة
تحت أنقاض البلادْ








الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.




قمصان يوسف
( 11.4k | 5 | 6 )
جبل الباروك
( 9.6k | 5 | 5 )
مرثية الغبار
( 7.2k | 0 | 9 )
الشاعر
( 6.7k | 0 | 1 )
العائد
( 5.2k | 0 | 1 )
الأربعون
( 4.6k | 0 | 4 )
لا تبتعد في الموت أكثر
( 4.2k | 0 | 6 )
المسيني
( 3.8k | 5 | 3 )
حوار مع ديك الجن
( 3.7k | 0 | 1 )
الأعمال الكاملة
( 3.6k | 0 | 1 )
تجليات المرأة
( 3.6k | 5 | 2 )
صوتها ضُمّة برق فوق نيسان
( 3.6k | 0 | 5 )
فراشات لابتسامة بوذا
( 3.4k | 0 | 2 )
وما أنا إلّا فلذةٌ من خيالها
( 3.2k | 0 | 2 )
تفاحة الغياب
( 3.1k | 0 | 3 )
سحابة صيف
( 2.8k | 0 | 0 )
حنين
( 2.8k | 5 | 1 )
الخمسون
( 2.8k | 0 | 0 )
البيوت
( 2.7k | 0 | 1 )
مسافة
( 2.6k | 0 | 0 )
دير قانون النهر
( 2.6k | 4 | 1 )
السنديان
( 2.5k | 0 | 0 )
الأسلاف
( 2.4k | 0 | 0 )
الزنزلخت
( 2.4k | 0 | 0 )
تعديل طفيف
( 2.4k | 0 | 0 )
الغائب
( 2.4k | 0 | 1 )
يصغي لأسئلة الأعماق
( 2.4k | 0 | 1 )
خلف دموع الشتاءات
( 2.4k | 0 | 1 )
الصور
( 2.3k | 0 | 0 )
فراديس الوحشة
( 2.3k | 0 | 1 )
تكوين
( 2.3k | 0 | 1 )
عندما يصبح الحبر أعمى
( 2.3k | 0 | 0 )
ماء الغريب
( 2.3k | 0 | 0 )
عزلة الخادمات
( 2.3k | 0 | 0 )
التماثيل
( 2.2k | 0 | 1 )
ألزهايمر
( 2.1k | 0 | 0 )
خالد السكران
( 2.1k | 0 | 0 )
سأحمل صوتك المكسور
( 2k | 0 | 1 )
متحف الشمع
( 2k | 0 | 0 )
علي الصغير
( 1.9k | 0 | 0 )
ثلج العام 1958
( 1.9k | 0 | 0 )
الخرّوب
( 1.9k | 0 | 0 )
تأليف-1
( 1.8k | 0 | 0 )
صراخ الأشجار
( 777 | 0 | 0 )
الرحيل إلى شمس يثرب
( 759 | 5 | 2 )
كأنني بحرٌ وأمواجي ورائي
( 401 | 5 | 4 )