أنفخ في رئة العزلة - محمد اسماعيل | القصيدة.كوم

شاعرٌ مصريٌّ (1993-) قوافيه فراشات، كان أحسنَ حالًا وما زالَ أحسنَ حالًا، ولكنه شاعرٌ هذه هيَ لعنتُهُ الأبديّة.


2336 | 5 | 0 | 5




الحياة مجازٌ لشيءٍ لملحمةٍ ربما
في البياضِ أطلَّ هوميروس
وقال: اليمينُ لإلياذتي واليسارُ لأوديستي
وأعدَّ فناجين قهوته وتسلّى بنا!
...
أنا خائف الروحِ من ذلك الباب في غرفتي
خائفٌ من دمي وهواجسه
خائفٌ من يديَّ وطيشهما
خائفٌ من أساطيرِ أطفال قريتنا
حين يجتمعون الظهيرةَ مثل الشياطينِ...
في العزلةِ...الكونُ أوسعُ من رئتيَّ قليلًا
ونافذتي لا تطلّ على أيِّ شيءٍ سواي
كبرتُ ثلاثين عامًا/ صغرت ثلاثين عامًا
ومتُّ،
وحين تعفّنتُ في غرفتي
لم أجدْ غير سبّابتي حيّةً
فكتبتُ –لمن سوف يأتون- مرثيةً
للظلال على حائطي وجهها الشبحيُّ
ولي وخزةٌ في الشرايين راكدةٌ
والمسافةُ بينهما كالكتابةِ غامضةٌ
وأنا باسطٌ في الفراغِ ذراعيَّ
منتظرٌ زائرًا ما،
يجيءُ ليأخذَ طينتَهُ ويعودَ كلانا إلى روحهِ
...
منذ شيءٍ وعشرين عامًا
تسلّمْتُها في صباحِ الثلاثاءِ
كتلةَ طينٍ
فأشعلَ أهلي زعاريدهم في هواء المدينةِ
لم يكترثْ أحدٌ لصراخي وكنت سأخبرهم سرَّ هذا الوجود
ولكنني بعد عامين صرتُ أجيدُ الحديث
ولم أستطعْ نطقَهُ!
هل يجيءُ إذنْ زائري؟ كي أُعيدَ له ما أخذتُ
وأرجعَ لي شاعرًا لا يخون قصيدته
ويغرسُ إبرتَهُ في فراغاتهِا!
ربما كنت طفلًا
وأسئلتي هشةٌ كيديّ
ولكنَّ عينيّ بوابتا عالمٍ لم يطأْهُ التساؤلُ
...
في غرفتي ذئبةٌ من ظلالٍ
أضاجعها كي تهادنني
ذئبةٌ تستريحُ على بدني وتحاصرني إذْ تجوعُ
وتنهشُ لحمي
وتقضمني مثل تفّاحةٍ
أنا آخرُ من يجلسون وحيدين في غرفةٍ
ذكرياتي مرايا،
أمشّط ليلي عليها
ويكسرها في الصباح بصيصُ شعاعٍ
تسلّلَ من فتحةٍ في الجدارِ
هنا الوقتُ ليس سوى جثةٍ هامدةْ
هنا جُدُرٌ تتحرّك نحوي
وتصفعني يدُها الباردةْ
هنا كلّ وقتي
هنا
الساعةُ الواحدةْ!
...
كي أحبَّ فتاةً عليّ الخروج
عليّ الوقوف أمام مرايايَ
أصلح ما أفسدتْهُ قراءاتيَ الفلسفيةُ
أربط روحي على جسدي
مثل ربطة عُنْقٍ
وأحملني
أيْ سأحمل هذا الخرابَ -
إليها
...
أجلْ لم أحبَّ سوى لغتي
غير أنّي أحسُّ بإيقاعٍ نهدٍ، برجفتهِ
أسمعُ النار تصعدُ فيه وتنزلُ
أقرأ صفحته مغمضًا
أتحسّسَ شهوته من وراء جدارٍ
وأهوي على الأرضِ في جانبٍ
بينما تحمل البنتُ شهوتها في يديها
وتلعنُ هذا الجدار!
...
نفثتُ ثلاثين دهرًا
وأكثرَ
أحرقتُ ثلجَ البداياتِ
كي يجدَ الرملُ مُتّسعًا للتمدّدِ
هذّبْتُ شَعر النباتاتِ
آنستُ وحشيةَ الحيواناتِ
ثمّ رجعتُ قليلًا
فلم ألقَ جسمي سوى عابرٍ في الفراغِ
من البابِ للنافذةْ!
...
كيف يخرجُ مثليَ من غرفةٍ؟
كيف يبصرُ شمسَ الطبيعةِ
قوّادةً تكشفُ الكائنات إلى الكائناتِ؟!
أنا خائفُ الروحِ
من ذلك البابِ في غرفتي
كيف أبصرُ آدمَ يشحذ سكينه
كي يقلّصَ أعدادَ أبنائهِ
كيف أبصرُ شيئًا وأدرك شيئًا
وتمنحني الأرضُ شيئًا سواه
أنا خائفُ الروحِ
من ذلك البابِ في غرفتي
كيف أشهق أغنيتي
وأُناسيْ يقيمون في رئتيّ الصلاة؟
...
عليَّ
علي الأرضِ أزحفُ
في حائطٍ مائلٍ أتنقّلُ
أهربُ من فكرةٍ نحو أخرى
أولّول مثل الثكالى على جسدي المتعفّنِ...
لا
لا أريدُ التعفّن أكثر في غرفتي
لا أريد البقاء هنا
أين بوابتي للخروج؟!
وأين الخلاص؟
وأين ضياء الذين يحبّونه؟!
سوف أكسِرُ جمجمتي في الحوائطِ حولي!
أكسّرُ هيبتها
أين جمجمتي يا ظلامُ؟
...
الحوائطُ أربعةٌ
وهنالك سقفٌ وحيدٌ
أحاول أن أتلمّسهُ بيديّ
ولكنه"مُلِئ حرسًا شديدًا وشهبًا"
ومروحةً بثلاث سكاكينَ
في الصيفِ تزأرُ، توقظني من سباتي العميق
الحوائط أربعةٌ كالزمانِ هنا
ليَ ماضٍ ومستقبلٌ
ليَ حاضريَ المستفزُّ،
وجمجمتي زمنٌ رابعٌ
أين جمجتي في صراعِ العقارب؟
...
تمشي إلى ركنها ذئبتي
تتكوّرُ مثل جنينٍ
وتعوي من الجوعِ:
لم يبقَ فيك دمٌ صالحٌ
عطشي صار أكبرَ من دمكَ
اخْرجْ إلى الطينِ
وارجعْ مليئًا بناسوتكِ
ارجعْ مليئا
لكي أحتسيك كما تحتسي قهوتكْ
لا أريدُ الخروجَ
أريد البقاءَ هنا،
كي ألاعبَ موتي
كما تلعبين معي،
سأحاصره حين أمرضُ في جسدي
وأعضُّ يديه إذا جعتُ
أو أتحرّشُ بالفتيات اللواتي قُبضْن صباحًا
ولم يزلِ العسلُ الأنثويُّ على شفتيهِ،
أريدُ البقاء
إلى أن أحوّل روح المكانِ
إلى زمنٍ صالحٍ للتداولِ
أو
أن أصيرَ أنا ساعةً
لأدلَّ المساكين والفقراء
إلى زمنٍ لا يجوعون،
فيه، ولا يعطشون.
"المكان زمانٌ تجمّدَ"
ما نفعُهُ البشريّةَ؟
يأتي زمانٌ نبيع به الوقتَ
مثل السجائرِ
شهوتنا الوقتُ،
والوقتُ إدماننا
بينما المتجمّدُ منه
تحارب من أجله الدولُ الناميةْ
...
ولذلك أكسرُ جمجمتي،
الآن،
كي أضبط الوقتَ
...
أمشي ثلاثًا إلى الركنِ
أمسحُ فروتها
وأغنّى لها بعضَ شعرِ امرئ القيسِ
"فقلتُ له لمّا عوى إنّ شأننا
قليلُ الغنى إنْ كنتَ لمّا..."
...
في العزلةِ،
الحبُّ يبدو رفاهيةً
زائدًا، وبخيلًا
فكلُّ النساءِ اللواتي أُحبُّ،
ارتسمْن خيالًا على حائطي
كيف يُوصفُ معجزةً؟
وأنا عشتُ عمرًا أقبّل هذي الخيالاتِ،
لم يتهشّمْ فراغٌ
لألمسَ نهدينِ لا طوبتينِ،
أسكرَ من شفتينِ
وأصعدَ نحرًا من التينِ واللوزِ
لا جُدُرًا ونوافذَ،
والحبُّ يبدو فتىً ساذجًا
يتبوّلُ في روحهِ كلما أبصرَ العاصفةْ!
...
كاميرا السماءِ تسير معي الآنَ
في غرفتي حيث أمشي
أنا بطلُ الفيلمِ
لي حُلُمٌ أن أغيّر هذا السيناريو قليلا
بما يشبع الشعرَ في رئتيّ
بما يمنح الباب عينين
والسقفَ أنفًا طويلًا كمئذنةٍ
والنوافذَ أجنحةً
وأنا بطلُ الفيلم، أقتلُ نفسيَ في غرفةٍ،
كي تغنّي على جثتي الفاتناتُ
وكي يجد الأبرياءُ
على جسدي المتهشّمِ تُهمتهم
كي يسيرَ لظلّي الصغارُ
كما سرتُ يومًا وراء ظلالِ سواي،
هي الشمس تهمتنا فاتبعوني
إلى الماءِ يا أنبياءَ الزمانِ البخيل
لذلك أكتبُ في حائطي:
(الظلُّ أوفى من الشمسِ، والماء أوفى من الظلِّ)
...
حمّلتُ قلبي بذاكرةٍ ياسمينيّةٍ
وفتحتُ الجدارَ قليلًا
وأخرجْتُ كفّيَ، لا شيءَ يحدثُ
لوّنها الضوءُ
قلتُ سأخرجُ طفلًا، خرجتُ
خطوتُ كمن يتعلّمُ مشْيَتَه
والتفَتُّ إلى غرفتي
لم أجدْ غيرَ تلِّ رمادٍ تهاوى بطيئًا بطيئًا
وشدّتنيَ الشمسُ من ياقتي!







الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.




يسألونك عن الروح
( 6.6k | 3 | 2 )
حصاد الماء والتمر
( 3k | 5 | 5 )
نحن أبناءُ هذي الطبيعةِ
( 2.8k | 5 | 2 )
ها قد بقيت وحدك
( 2.4k | 3 | 0 )
هو شاعر؟
( 2.4k | 5 | 0 )
من أحوال الريح
( 2.2k | 5 | 0 )
تجلِّي
( 2.2k | 5 | 2 )
ما يهذي به الطفل
( 1.7k | 5 | 1 )
خللٌ ما
( 1.7k | 5 | 2 )
وقتٌ مالحٌ لا يمرّ 
( 1.5k | 5 | 2 )
لأنّه
( 1.5k | 5 | 1 )
إليها
( 1.5k | 5 | 0 )
المشيُ في إيقاع الريح
( 1.4k | 5 | 0 )
بكاءات ورق الحائط (نوفمبر)
( 1.4k | 5 | 2 )
آمنوا بي كي أغني
( 1.4k | 5 | 0 )
يحارب نرسيسه في القصيدة
( 1.4k | 5 | 0 )
في مديح الخطأ
( 1.4k | 5 | 0 )
المجانين
( 1.3k | 5 | 0 )
ما لا أحبّ أن أقوله
( 1.3k | 5 | 0 )
يربّي على كفيه دهشته
( 1.3k | 5 | 2 )
أغنيات حجرية
( 1.3k | 5 | 1 )
الرمل
( 1.3k | 5 | 0 )
الأنبياءُ الصغار
( 1.3k | 5 | 1 )
فراشة/ قافية
( 1.3k | 5 | 0 )
صوتٌ من الماء
( 1.3k | 5 | 0 )
لا شعراء تسير على الماء
( 1.3k | 5 | 0 )
على حافة نهرِ الله، وظمأ الأسطورة
( 1.2k | 5 | 0 )
سَفَر
( 1.2k | 5 | 2 )
فم يابس الصوت
( 1.2k | 5 | 0 )
نشيد
( 1.2k | 5 | 0 )
تيه
( 1.2k | 5 | 1 )
ماذا يقولُ شاعرٌ في ٢٠١٩؟
( 1.2k | 5 | 0 )
لا تجرحوا الغيم
( 1.2k | 5 | 0 )
هيبة الأساطير
( 1.2k | 5 | 0 )
الإنسان يرقص
( 1.1k | 5 | 0 )
نار لفكرةٍ خضراء
( 1.1k | 5 | 1 )
سأفرّ من لغتي
( 1.1k | 5 | 1 )
من ذاكرة الرمل
( 1.1k | 5 | 0 )
شجرة
( 1.1k | 5 | 0 )
صوتي رئة للريح
( 1.1k | 5 | 0 )
نبيّ يتهجّأ المعراج
( 399 | 0 | 0 )
خمس مرايا للانتحار
( 378 | 5 | 1 )
ما وُجِد على جدارِ ميّتٍ
( 354 | 0 | 0 )
سراب لون الجسد
( 331 | 0 | 1 )
فيما يؤرّقني معنى بنفسجة
( 322 | 0 | 0 )
يرى في نفسه الأبد
( 315 | 0 | 1 )
ميعادٌ متأخر
( 315 | 0 | 0 )
تقاسيم
( 312 | 0 | 0 )
هكذا كان يندهش
( 308 | 0 | 0 )
صدأٌ في زُرقةِ البحر
( 284 | 0 | 0 )
نقش قديم على الماء
( 282 | 0 | 0 )
وردةٌ تذبحُ عطرها
( 279 | 0 | 0 )
أساطيرُ عاديّة
( 278 | 0 | 0 )
كيف يكتبُ قصيدتَهُ؟
( 277 | 0 | 0 )
يقينٌ ضبّابيُّ الملامح
( 276 | 0 | 0 )
ظل النبوّة
( 271 | 0 | 0 )
خمس مرايا من الخوف
( 270 | 0 | 0 )