سأنالُ من ألمي... - محمد علاء الدين عبد المولى | القصيدة.كوم

شاعر وناقد سوري مهم، مقيم في ألمانيا (1965-)


486 | 0 | 0 | 0



سأنالُ من ألمي
وأحْكِمُ صرختي في مطلعِ الوادي
فمن وجدَتْ بنفسجَها يلائمني،
ستنسى خلفَ صخرتِها صداها
ثمّ تتبعني...
وفيما بعدُ تُنزلُ صورتي عنْ صدرِها
...
سأنالُ من قلَقِ الطّبيعةِ وهي ترجفُ تحتَ عاصفتي
...
أنالُ من الينابيع التي لم تحفظ الأسرارَ
...
من خوفي أنالُ
ومن دروبٍ عاشرتْ شبحي
فلم تحرسْه من قصفِ الضبابْ.
...
سأنالُ من أنثى بنيتُ لها خرابي
ثم شاءَتْ أن تكافئني بتخريبِ الخرابْ...
...
سأنالُ من تعبِي على تنظيفِ عينيها من الحمّى،
ومن سهري على تدريب نهديها على الإيقاعِ،
والإيقاع بي...!
سأنالُ من وثنِ الكلام العذبِ في أذُنِ الحريرِ
ومن طيوري
...
من ليالي شهرزادَ جميعِها سأنالُ
لم تدركْ صباحاً واحداً مما اختزنْتُ...
...
أنالُ من بوّابةِ اللّيل الصّغيرةِ
حين كنّا نزهرُ المعنى على أعتابها
ونقيمُ في بيت النّجومِ
نساعدُ الأحلامَ أن تمشي بطيئاً باتّجاه الأزرق النّبويّ
...
أين هجَرْتُ هذا الشِّعرَ ؟
كلّ معلّقاتي أجهشت فوق الجدارِ
ولم أجد بين القوافي خولةً أو عبلةً أو فاطمةْ
لم يبق إلا سيرةٌ حجريّة
متروكةٌ للذّكرياتِ القادمةْ
...
ونسيتُ كلّ حدائقي في الليلِ
لا حرّاسَ من ضوءٍ على أبوابها
ولأنّ نصفَ مقاعدي نعستْ؛
فقد أغريتُ نصفَ مقاعدي الأخرى بحمّامِ العطورِ؛
ولم تصدّقْ...
...
أين ذروةُ صرختي ؟
القهوةُ السّوداءُ إيجازٌ أليمٌ للرحيلِ
وبعضُ أقداحي عرفتُ نهايتي فيه قبيلَ أوانِها
فسكرتُ كالطّاحونةِ البلهاء:
تعرف أنها ستدورُ دونَ نهايةٍ؛
وتدورُ...
حولَ مصيرِها نفقٌ هلاميّ،
تدورُ... لأنها اعتادتْ على الدّورانِ
لا قمح ولا إيقاع حصّادينَ
لا عرسٌ ولا شمسٌ
فقط ستدورُ حولَ محيطها
وتنالُ من أيّامها حجرَين يختصران كلّ وجودها
...
سأنالُ من قمحي الخبيثِ
شُغِلْتُ في تنقيحه صيفاً طويلاً
أو شتاءً زنجبيلاً
حتى إذا نضجت أداةُ القطفِ
نالته أفاعي الرّيح...
...
سوفَ أنالُ من ذاتي وأندمُ:
كيف ربّيتُ التّداعي فيَّ ؟
كيفَ سحبتُ نفسي من سُباتِ الذّكريات
جعلتها وترينِ يشتعلان بين أصابع التفّاحِ ؟...
...
سوف أنالُ من روحي
رميتُ خريفها الأزليّ في وادٍ
وهرّبتُ المآسي من معاجمِها
وكنتُ كمنْ يصبّ الخمرَ في أوهى السّلالْ
وخسرتُ من جسدي قليلاً من نضارته؛
ولكنّي أضفت إلى مقابرِ وحشتي
قبراً جديدا للجمالْ
...
سأنالُ ممّا كنتُ أحسبُهُ رحيقاً للنّبيذِ
ومن هبوبِ ستائرِ الفردوسِ ليلَ الجنسِ
سوف أنالُ من شبقي المريض بفتنة الأنثى
وأطردُ من خزانتِه كريستالَ الحنينْ
...
لي في النّوافذِ صرخةٌ مهجورةٌ
لي في الطّبيعة فصلُ غاردينيا
ولي عشرونَ شتلةِ ياسمينْ
لم تكترثْ بحقائبي الثّكلى
ولم تسكبْ على ذكرايَ ناياتِ النّسيمْ
ذهبَ التأمّلُ في الغوايةِ نحوَ كارثةِ القرنفلِ
وادّعى البستانُ عاصفةً
وحارسةُ الينابيع الصبيّةُ صدّقت أني عجوزٌ
طالعٌ من هوّة الأسطورة الحمقاءِ
فاتّخذت يباسي لعبةً يوميّةً
...
سأنالُ من كلّ القطارات التي عبرتْ رؤايَ
ولم تغيّر في انتظاري قيدَ ساحرةٍ ولا شبقٍ...
أنالُ من السّفرْ
ومن المراكبِ وهي تربطُ في ضفائرها القمرْ
سأنالُ من تلك الشّواطئِ
لم تهدهدْ من نزوعي نحو سورياليّةِ السّفن القديمةِ
لم تنبّهني لأنّ سفينةَ العشّاقِ يملؤها الضّجرْ
...
لا شيء يحمي أيَّ شيءٍ في فراغي المنتظرْ
لا شيء... فلتذهب أهازيجي إلى عنوانها المفقودِ
ولتكتبْ على مرآتها:
إنّ المغني وردةٌ في جوفِ حوتٍ من حَجَرْ


17/3/2006


الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.