فارس الكلمات الغريبة - أدونيس | القصيدة.كوم

شاعر وناقد ومفكر ومترجم سوري لبناني، قاد الثورة الحداثوية في النصف الثاني من القرن العشرين، مما ترك أثرا كبيرا على الشعر العربي يشبه تأثير إليوت على الشعر الإنجليزي. حائز على جائزة الإكليل الذهبي عام 1997، وجائزة العويس الثقافية دورة 2002-2003 في مجال الإنجاز الثقافي والعلمي. (1930-)


1686 | 0 | 0 | 1




إلقاء: أدونيس


"مزمور"

يُقبل أعزلَ كالغابةِ وكالغيمِ لا يُردّ، وأمسِ حَمَلَ قارّةً ونقلَ البحرَ من مكانه.

يرسمُ قفا النهار، يصنعُ من قدميه نهاراً ويستعيرُ حذاءَ الليل ثم ينتظرُ ما لا يأتي. إنه فيزياءُ الأشياء ـ يعرفُها ويسمّيها بأسماءَ لا يبوحُ بها. إنه الواقعُ ونقيضُهُ. الحياةُ وغيرُها.

حيث يصيرُ الحجرُ بحيرةً والظلُّ مدينةً، يحيا - يحيا ويضلّلُ اليأس، ماحياً فُسحةَ الأمل، راقصاً للترابِ كي يتثاءب، وللشجرِ كي ينام.

وها هو يُعلنُ تقاطعَ الأطراف، ناقشاً على جبينِ عصرِنا علامةَ السّحر.

يملأُ الحياةَ ولا يراهُ أحد. يُصيِّرُ الحياةَ زبداً ويغوصُ فيه. يحوِّلُ الغَدَ إلى طريدةٍ ويعدو يائساً وراءَها. محفورةٌ كلماتُهُ في اتجاهِ الضياعِ الضياع.

والحيرةُ وطنه، لكنهُ مليءٌ بالعيون.
يُرعبُ ويُنعشُ
يرشحُ فاجعةً ويفيضُ سُخريةً
يَقْشرُ الإنسانَ كالبصلة.

إنه الريحُ لا ترجعُ القهقرى والماءُ لا يعودُ إلى منبعه. يخلقُ نوعَهُ بدءاً من نفسه ـ لا أسلافَ لهُ وفي خطواتِهِ جذوره.

يمشي في الهاوية وله قامةُ الريح.
** **


"ليس نجماً"

ليس نجماً ليس إيحاءَ نبيّ
ليس وجهاً خاشعاً للقمرِ -
هو ذا يأتي كرمحٍ وثنيّ
غازياً أرضَ الحروفْ
نازفاً ـ يرفعُ للشمسِ نزيفَهْ،
هو ذا يلبسُ عُريَ الحجرِ
ويصلّي للكهوفْ

هو ذا يحتضنُ الأرضَ الخفيفَهْ.
** **


"مَلِكٌ مهيار"

مَلِكٌ مهيارْ
مَلِكٌ والحلمُ له قصرٌ وحدائقُ نارْ
واليومَ شكاهُ للكلماتْ
صوتٌ ماتْ؛
مَلِكٌ مهيارْ
يحيا في ملكوتِ الريح
ويملكُ في أرضِ الأسرارْ
** **


"صوت"

مهيارُ وجهٌ خانهُ عاشقوهْ
مهيارُ أجراسٌ بلا رنينْ
مهيارُ مكتوبٌ على الوجوهْ
أغنيّةً تزورنا خِلسةً
في طُرُقٍ بيضاءَ منفيّهْ،
مهيارُ ناقوسٌ من التائهينْ
في هذه الأرضِ الجليليَّهْ.
** **


"صوت آخر"

ضيَّعَ خيطَ الأشياء وانطفأتْ
نجمةُ إحساسه وما عثرا
حتى إذا صار خطوُهُ حجرا
وَقُوِّرتْ وجنتاهُ من مَلَلِ،
جَمَّعَ أشلاءَهُ على مَهَلِ،
جَمَّعها للحياةِ، وانتثرا.
** **


"تولد عيناه"

في الصخرةِ المجنونةِ الدائرَهْ
تبحثُ عن سيزيفْ،
تُولدُ عيناهُ،

تولدُ عيناهُ
في الأعينِ المطفأةِ الحائرَهْ
تسألُ عن أرْيانْ
تولدُ عيناهُ
في سَفَرٍ يسيلُ كالنزيفْ
من جُثّةِ المكانْ،
في عالمٍ يلبسُ وجهَ الموتْ
لا لغةٌ تعبرُهُ لا صوتْ -
تُولدُ عيناهُ.
** **


"الأيام"

تعبتْ عيناهُ من الأيامْ
تعبتْ عيناهُ بلا أيامْ
هل يثقبُ جُدرانَ الأيامْ
يبحثُ عن يومٍ آخرْ –

أهنا أهنالكَ يوم آخرْ؟
** **


"دعوة للموت"

(أصوات)

يضربُنا مهيارْ
يُحرِقُ فينا قشرةَ الحياة
والصبرَ والملامحَ الوديعَهْ
فاستسلمي للرعبِ والفجيعَهْ
يا أرضَنا يا زوجةَ الإلهِ والطغاةْ
واستسلمي للنارْ.
** **


"صوت"

يهبطُ بين المجاذيفِ بين الصخورْ
يتلاقى مع التائهينْ
في جرارِ العرائسِ
في وشوشاتِ المحارْ؛
يعلنُ بعثَ الجذورْ
بعثَ أعراسِنا والمرافئِ والمنشدينْ -
يعلنُ بعثَ البحارْ.
** **


"قناع الأغنيات"

باسم تاريخهِ في بلاد الوحولْ
يأكلُ، حين يجوعُ، جبينَهْ
ويموتُ وتجهلُ كيفَ يموتُ الفصولْ
خلفَ هذا القناع الطويل
من الأغنياتْ.

إنه البذرةُ الأمينَهْ
إنه ساكنٌ في قرارِ الحياةْ.
** **


"مدينة الأنصار"

-1-
لاقيهِ يا مدينةَ الأنصارْ
بالشوكِ أو لاقيهِ بالحجارْ
وعلّقي يديهْ
قوساً يمرُّ القبرْ
من تحتها، وتوّجي صَدْغيهْ
بالوشْم أو بالجمرْ -
وَلْيَحترقْ مهيارْ.

-2-
أكثرُ من زيتونةٍ ونهرٍ
ونَسمةٍ تروحُ أو تجيءْ
أكثر من جزيرةٍ وغابَهْ
أكثر من سحابَهْ
تركض في طريقه البطيءْ
تقرأُ، في سريرها، كتابَهْ.
** **


"العهد الجديد"

يجهلُ أن يتكلّمَ هذا الكلامْ
يجهلُ صوتَ البراري،
إنه كاهنٌ حجريُّ النُعاسْ
إنه مُثقَلٌ باللغاتِ البعيدَهْ.

هو ذا يتقدّمُ تحتَ الركامْ
في مناخِ الحروفِ الجديدَهْ
مانحاً شِعرَهُ للرياحِ الكئيبَهْ
خشناً ساحراً كالنحاسْ.

إنه لغةٌ تتموّجُ بين الصواري
إنه فارسُ الكلماتِ الغريبهْ.
** **


"بين الصدى والنداء"

بين الصدى والنداءِ يختبئُ
تحت صقيعِ الحروفِ يختبئُ
في لهفةِ التائهينَ يختبئُ
في الموجِ، بين الأصدافِ يختبئُ،

وحينما يغلقُ الصباحُ على
عينيهِ أبوابَهُ وينطفئُ،
يُلجىءُ مصباحَهُ إلى جَبَلٍ
ضيّعَهُ يأسُهُ، ويلتجئُ.
** **


"الجرس"

النخيلُ انحنى
والنهارُ انحنى والمساءْ -
إنه مُقبلٌ، إنه مثلُنا؛
غير أنّ السماءْ
رفعتْ باسْمِهِ سقفَها المُمطرا
ودَنَتْ كي تُدَلِّي
وجهَهُ، فوقنا، جرساً أخضرا.
** **


"آخر السماء"

يحلمُ أن يرميَ عينيه في
قرارةِ المدينةِ الآتيَهْ
يحلمُ أن يرقصَ في الهاويَهْ
يحلمُ أن يجهلَ أيامَهُ الآكلةَ الأشياءْ
أيامَهُ الخالقةَ الأشياءْ؛
يحلمُ أن ينهضَ أن ينهارْ
كالبحرِ ـ أن يستعجلَ الأسرارْ
مُبتدئاً سماءَهُ في آخرِ السماء.
** **


"وجه مهيار"

وجهُ مهيارَ نارْ
تحرقُ أرضَ النجومِ الأليفَه،
هو ذا يتخطّى تخومَ الخليفَهْ
رافعاً بيرقَ الأفولْ
هادماً كلّ دارْ؛
هو ذا يرفضُ الإمامَهْ
تاركاً يأسَهُ علامَهْ
فوق وجهِ الفصولْ.
** **


"الحيرة"

(أصوات)

لأنّه يَحارْ
علَّمنا أن نقرأَ الغبارْ
لأنّه يَحارْ
مَرَّت على بحارِنا سحابَهْ
من نارِهِ من عطشِ الأجيالْ.

لأنّه يَحارْ
أعطى لنا الخيالْ
أقلامَهُ، أعطى لنا كتابَهْ.
** **


"ينام في يديه"

يمدُّ راحتيهِ
للوطن الميّتِ للشوارعِ الخرساءْ
وحينما يَلتصقُ الموتُ بناظريهِ
يلبسُ جلدَ الأرضِ والأشياءْ
ينامُ في يديهِ.
** **


"يحمل في عينيه"

يأخذُ من عينيهْ
لألأةً، من آخرِ الأيامِ والرياحْ
شرارةً، يأخذُ من يديهْ
من جُزُرِ الأمطارْ
جبلّةً ويخلقُ الصباحْ.

أعرفُهُ ـ يحملُ في عينيهْ
نبوّةَ البحارْ
سمّانيَ التاريخَ والقصيدَةَ
الغاسلةَ المكانْ،

أعرفُهُ ـ سمّانيَ الطوفانْ.
** **


"توأم النهار"

ألليلُ أبوابٌ وساحرات
في رئتيْ مهيارْ
في وجهِهِ الأصفرِ في يديهْ.
مُتْ مثلَنا ضِعْ مَعَنا يا آدمَ الحياةْ
أبحرْ بنا إليهْ
نشتاقُهُ نحيا لَهُ ـ مهيارْ
توأَمُنا وتوأمُ النهارْ.
** **


"الآخرون"

عَرِفَ الآخرينْ
فرمى صخرَهُ فوقهم واستدارْ
حاملاً غُرّة النهارْ
والسنينَ التي تهرولُ عُذريّةَ الجنينْ.
وجههُ عالقٌ بالحدودِ الغريبَهْ
ينحني فوقَها ويضيءُ؛
حيثُ لا يلتقي بسواه يجيءُ
حيثُ لا يلمحُ الآخرينَ استدارْ
حاملاً غُرّةَ النهارْ
ماحياً صفحةَ السماء القريبَهْ.
** **


"البربري القديس"

ذاك مهيارُ قدّيسُكِ البربريّ
يا بلادَ الرؤى والحنينْ،
حاملٌ جبهتي لابسٌ شفتيّ
ضدَّ هذا الزمانِ الصغيرِ على التائهين.

ذاكَ مهيارُ قدّيسُكِ البربريّ -
تحت أظفارِهِ دمٌ وإلهٌ؛
إنه الخالقُ الشقيّ
إن أحبابَهُ من رأوه وتاهوا.





Mask of Songs, In the City of the Partisans & New Testament

(Translated by: Adnan Haydar)

"Mask of Songs"

In the name of his own history,
in a country mired in mud,
when hunger overtakes him
he eats his own forehead.
He dies.
The seasons never find out how.
He dies behind the interminable mask of songs.

The only loyal seed,
he dwells alone buried deep in life itself.
***

"In the City of the Partisans"

I.
Open your arms
O city of Partisans.
Welcome him with thorns
or with stones.
Bind his arms above his head,
stretch them into an archway to the grave,
tattoo upon his head
graven images, brand him with glowing coals
and let the flames consume Mihyar.

II.
More than an olive tree, more
than a river, more than
a breeze
bounding and rebounding,
more than an island,
more than a forest,
a cloud
that skims across his leisurely path:
all and more
in their solitude
are reading his book.
***

"New Testament"

He doesn’t speak this language.
He doesn’t know the voices of the wastes—
a soothsayer in stony sleep,
he is burdened with distant languages.

Here he comes from under the ruins
in the climate of new words,

offering his poems to grieving winds
unpolished but bewitching like brass.

He is a language glistening between the masts,
the knight of strange words.

الترجمة لمقاطع: قناع الأغنيات ومدينة الأنصار والعهد الجديد
Translated by Adnan Haydar and Michael Beard



الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: