الأحزان العادية - عبد الرحمن الأبنودي | القصيدة.كوم

شاعر شعبي مصري، ساهم بجعل الإنتاج الشعري جزءا من الحركة السياسية وتطويرها باتجاه الديمقراطية (1938-2015)


3853 | 4 | 0 | 0



الأحزان العادية

هجمت على الميدان
من كل جهات المدن الخرسا
ألوف شبان
زاحفين يسألوا عن موت الفجر
استنوا الفجر ورا الفجر
ان القتل يكف
ان القبضة تخف
ولذلك خرجوا يطالبوا
بالقبض على القبضة
وتقديم الكف

الدم الدم
قلب الميدان وعدل
وكأنه دن نحاس مصهور
أنا عندي فكرة عن مدن
بيكرهها النور
والقبر اللي يبات مش مسرور
عندي فكرة عن العار
وميلاد النار
والسجن في قلبي مش على رسمه سور
قلت له لأ يا بيه
انا آسف
بلدي بربيع وصباح
ولسه في صوتي صهيل الينابيع
لسه فى قلبى هديل المصباح
لسه العالم حي رايح جي
بيفرق بين الدكنة وبين الضي
بلدي مهما تتضيّع مش حتضيع
ما ضايع الا ميدان وسيع
يساع خيول الجميع
يقدم المقدام
ويفرسن الفارس
ويترك الشجاعة للشجيع

ولا باعرف ابكي صحابي غير في الليل
انا اللي واخد ع القمر
ومكلمه أطنان من الشهور
وعلى النظر من خلف كوة ف سور
واللي قتلني ما ظهر له دليل

وفى ليلة التشييع
كان القمر غافل.. مجاش
والنجم كان حافل
لا بطّل الرقصة ولا الارتعاش

اتقفل الباب
وتخاطفوني الأحباب
ده يغسّل.. ده يكفّن.. ده يعجّن كف تراب
وانا كنت موصي لا تحملني إلا كتوف اخوان
أكلوا على خوان
وما بينهمش لا خيانة ولا خوان
وإلا نعشى ما حينفدش من الباب
ما أجمل نومة على كتوف اصحابك
تنظر صادقك من كدابك
تبحث عن صاحب أنبل وش
في الزمن الغش
والرؤية قصادي اتسعت
بصّيت وحاسب نفسى بين خلاني
تعالوا شوفوا الدنيا من مكاني
حاشتنا أغراض الحياة عن النظر
بالرغم من نبل الألم والانتظار
اتعلمنا حاجات أقلها الحذر
ونمنا سنوات مدهشة
نحلب ليالي حلمنا المنتظر
وامتلأت الأسواق بالمواكب
تبيع صديد الوهم والمراكب
وفارشة بالوطن على الرصيف
بالفكر والجياع وبالكواكب
ومذلة الرغيف
شوية فات سقراط
مسلسلينه من القدم للباط
ومتهم باليأس والإحباط
وبالعدم وبالزنا وباللواط
وبكل كافة التهم
وهو عابر للجحيم على الصراط
ينظر على الشعب التعيس ويبتسم
الى الجحيم للفلسفة
دنيا لا كانت يوم
ولا حتكون فى يوم كويسة
دنيا فى هيئة خنفسة
دنيا فسة
ما أتعس الإنسان
ما أسعد الحيوان
وعبر
وصف من الزواني وراه
متلطخين بالبودرة والمعاجين
حاصرين غطاوي الروس
بطونهم عريانين
بيغنوا طوبى لضحكة المساجين
وعيال عرايا
تفيض بها الطرقات
من القرى ومن المقاطعات
أطفال في لون الجوع
صوت النفس مسموع
أطفال شبه وضلوع
أما أنا
فاتسعت الرؤيا
وبصيت للمسا
وللنسايم المنعسة
وللحياة المتعسة
وقلت ورا سقراط
دنيا في هيئة خنفسة
دنيا فسة
ما أتعس الإنسان
ما أسعد الحيوان

قبل مروري على بعض مكان
كنت موصي يمه أفوت
هجمت من الحارة مجموعة نسوان
رقعوا بالصوت
قالوا يا عبد الرحمن
وعرفت تموت!!
وتفوت الشعب العاري المتهان
في المدن اللي معداش منها ريحة إنسان!!
أنا مت
ومش منظور لي جواب
متحصن بكتوف الأصحاب
ولذلك فت
لكن لما عبر نعشي بحر الموكب
اتهيألي سمعت ما بين الصوت المتركب
صوت فاطمة أختي الحزنان
بيزاحم كل الأصوات والأحزان
واتزكرت صورتها في زواني سقراط
ومناحة النسوان
حمامة نوح مدبوحة ف هوجة الكوم الحزنان
عز علي اني ما اديتهاش بال
مع إنها صاحبة أفضال
كانت تداويني من طعن الحكام والبرد
وكانت تنصحني بعدم السير ف قعر الوادي الوعر
ولو انها كانت معترفالي ف عبور الوديان

عند التربة
قعد الشيخ اوصاني
واداني كتابي بيماني
قال لي لو جولك ملكان
قول أنا عبد الله مش عبد الرحمن
ودعا لي في لحظة ما يقوم للعدل ميزان
ينوبني شيء م العفو وبعض الغفران
وفى لحظة ما انا متزحلق
في قماشي الابيض
من جوف القبر
اتقدم ضابط واتعرض
قبض ع الجثة
وطلب الاوراق
مزع الاكفان
عدل الوش
ووقف وركلني
وقالي بلؤم شديد
حتى في الموت بتغش
شيلوه
ولقيت نفسى والعربية داخله القلعة
كانت الدنيا ضجيج والشمس نيران والعة
قوم يا إنسان
أنا قلت
انا عبد الله مش عبد الرحمن
زي ما الشيخ اوصاني
قالي عندي اوراق تثبت انك مش مرتاح
أمرك فاح
ولقيت نفسي محاصر تاني وتحت الرجلين
قلت لنفسي وبعدين
راح تفضل كده لامتى يا غلبان؟
بتداري ايه؟
ايه باقي تاني علشان تبقي عليه؟
وطنك؟
متباع
سرك؟
متذاع
الدنيا حويطة وانت بتاع
ويهين المعنى الضابط
ويدوس بالجزمة ع الحلم
ربنا رازقه بجهل غانيه عن كل العلم
ماذا تعني بالكون يا يساعك يا يسعني؟؟
رد يا جربان يا ابن الوسخة يا كلب
اظنك حتقولي تاني الشعب
وصفعني وتنّى على بطني بالكعب
يا سعادة البيه وانا ايه؟ او ليا في العمال ايه؟
ما تغور الدنيا والعمال دي تضيع
يا صاحب هذا المبنى الموروث
ضِل جدودك في الجدران مغروس
انت السلطان وانا المملوك
انت السجان وانا الممسوك
انت المنصور وانا المسفوك
انا الصعلوك وامتى الصعلوك
يقدر يتجاسر على السلطان
اللي في ايده بدل البرهان مليون برهان
رفع الهِدب
ما هو برضه دول يفهموا فى الكدب
اول ما اتلفت جه غارس الجزمة فى قورتي
وجيت اقعد برّكني على الاسفلت
ولقيت نفسى محاصر تاني وتحت الرجلين
قلت لنفسي وبعدين
راح تفضل كده لامتى يا غلبان؟
ما لقيتش الراحة في الموت
يمكن تلاقيها ورا القضبان
اطلعت على السجن ع الأرض
ع البطاطين ع الشباك وعلى الجدران
ع الموقف كله
ع السجن وع السجان
ولقيتني طول عمري كنت كده
كلب.. محاصر.. متهان.. منبوذ.. جربان
وانا يا ابني الحلم اللي ما لهش اوان
معروف عشي ف قلب البستان
معروف صوتي ف زمن الاحزان
وفي أي زمان
واتذكرت سنة ما اتبنت القلعة
وكنت انا اول مسجون
وكان الضابط ده اول سجان
يوم ما صفعني نفس الصفعة
نفس طريقه الركل
وآخر الليل جانى بدم صحابي في الاكل
استأذنت ارتب اقوالي
قفل الباب
واتفتح الباب
وخلاص
يا عم الضابط انت كداب
واللي باعتك كداب
مش بالذل حاشوفكم غير
ولا استرجي منكم خير
انتو كلاب الحاكم
واحنا الطير
انتو التوجيه واحنا السير
انتو لصوص القوت
واحنا بنبني بيوت
احنا الصوت ساعة ما تحبوا الدنيا سكوت
احنا شعبين.. شعبين.. شعبين
شوف الاول فين؟؟
والتاني فين؟؟
وآدي الخط ما بين الاتنين بيفوت
انتم بعتم الارض بفاسها.. بناسها
في ميدان الدنيا فكيتوا لباسها
بانت وش وضهر
بطن وصدر
والريحة سبقت طلعه انفاسها
واحنا ولاد الكلب الشعب
احنا بتوع الاجمل وطريقه الصعب
والضرب ببوز الجزمة وبسن الكعب
والموت في الحرب
لكن انتم خلقكم سيد الملك
جاهزين للملك
ايدكم نعمت من طول ما بتفتل ليالينا الحلك
انتو الترك واحنا الهلك
سواها بحكمته صاحب الملك
انا المطحون المسجون
اللي تاريخي مركون
وانت قلاوون وابن طولون ونابليون
الزنزانة دي مبنيه قبل الكون
قبل الظلم ما يكسب جولات اللون
يا عم الضابط
احبسني
رأينا خلف خلاف
سففني الحنضل واتعسني
رأينا خلف خلاف
احبسني او اطلقني وادهسني
رأينا خلف خلاف
واذا كنت لوحدي دلوقت
بكره مع الوقت
حتزور الزنزانة دي اجيال
واكيد فيه جيل
اوصافه غير نفس الاوصاف
ان شاف يوعى
وان وعى ما يخاف
انتو الخونة لو خانني ظني
خد مفاتيح سجنك واترك لي وطني
وطني غير وطنك
ومشي
قلت لنفسي
ما خدمك الا من سجنك



الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: