لم أكن شاعرة - روضة الحاج | القصيدة.كوم

شاعرةٌ سودانيةٌّ (1969-) يمكن اعتبارُها حافظةَ الإرث الشعريّ النسوي.


854 | 0 | 0 | 0




كنت في البدء
كاهنةً
أتوسَّلُ بالسجعِ للغيبِ
أُدني النبوءاتِ
بالرقصِ والطبلِ
والكلماتْ

وأركضُ مثل الغزالاتِ
بين البراري
وأسترقُ السمعَ للهمهماتْ

أُراقبُ ماذا تقولُ العصافيرُ
في أوُّلِ الصبحِ
ثم أفكُّ طلاسمَ ما قالت الساجعاتْ

وأهرعُ للنهرِ
في موعدي
قبل أن يوقظَ الليلُ شمسَ الصباحِ
فتنتبهُ القُبَّراتْ

لأرسمَ في الرملِ ما سوف يحدثُ
أتلو على ساكني البحرِ أنشودتي
وأغنِّي لأمواجِه العابراتْ

كنتُ في أوَّلِ الأمرِ عرَّافةً
أقتفي أثرَ الماءِ في البيدِ
أعرفُ خارطةَ الكونِ
أفهمُ ما يُرسلُ النجمُ للأرضِ
حين يغيبُ
فتجفلُ من خوفِها الكائناتْ

كنتُ عرافةً
أتحرَّى المواقيتَ
أعرفُ ماذا تُخبىء في جوفِها الريحُ
ماذا تقولُ الكواكبُ حين تدورُ
أُحدِّدُ للناسِ
وقتَ الحصادِ
ووقتَ القِطافِ
وموعدَ أعراسِهم
وأسمي البنات!

كنتُ في أوَّلِ الوقتِ
ساحرةً
لا تُعِدُّ التمائمَ
بل تقتفي أثر الساحرات!

أدورُ مع الجنِّ في بيدِهم
وأُنادي عليهم بأسمائِهم
وأرقصُ حين يغنونَ
(آتولاتات)
(آتولاتات)!

تعلَّمتُ منهم
بأن الحجارةَ ليست جماداً
وأنَّ لدى الشجرِ الحيِّ ذاكرةً
أنَّ في الماءِ أسرارنا كلَّها
أنَّه مثلنا
يتنفَّسُ
يبكي
يموتُ
إذا غادرته الحياة!

ولما مللتُ
من الركض خلف الخبايا الدفينةِ للكونِ
من رغبتي في اجتراحِ
الحكاياتِ والمعجزاتْ

تحوَّلت ُ راعيةً في سهولِ الكناياتِ
أصحبُ ناياً
وأصبحتُ شاعرةً
حين أبكي
تراقصُني
وتغنِّي معي
كلُّ هذي الجهاتْ!





الآراء (1)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.