تجليات نجاح عبد الباسط - محمد زيدان | القصيدة.كوم

شاعر وناقد مصري يحمل درجة الدكتوراة فى النقد الأدبى المعاصر (1961-)


442 | 0 | 0 | 1



يتبعني من اثني عشر خريفاً
طيفٌ في هيئة سيدة،
تشبه بنت الخمسين - نجاح
السمراء، كأن أوان البعث تلاقى
ورياحين هواها العذري
كانت تتكئ على خاصرة الصيف
تلوح للشتلات المنقوشة بالحناء
على جدران الحجرة
يتبعني الطيف، وجسمي يصاعد
نحو الألواح الناتئة على أحداق الحقل
ومن رجفة رؤياها
أراني أتراءى بين المنزل والطرقات
أكومّ بعض حواس في ناصية البيت
أناور أصدافا نائمة فوق السور الطيني
كأن نجاح تعود إلى الدنيا
يتبعني في صحن الدار، يشاكس
وجه ضفيرة روحي أسماء
ولا أحدا غيري يدرك أن هناك فتاة
كالجبل كما كانت قبل الموت،
تعيش على خاصرتي،
أو ترقد فوق ذراعي إن نمت
تلامس وجهي، وتلامس أحداقا عالقة بي
بدأ الطيف يقرّبني منه، يربت فوق عيوني
حتى أصبحت أنا أبحث عنه إذا غاب،
ولا أستلقي أو أقرأ إلآ والطيف أمامي،
طيف نجاح، الخمسينيّة
كانت إن تمشي يرتج لها
طين الأرض حوالي رجليها،
جسم مفرود يشرب لون سماء القرويين
أراقب والمنجل بين يديها،
لتجز القمح، تعبئه أجولة،
تحمله على ظهر العربة، وتسير
كأن مدي قوتها مغروس
في الأحداق القروية،
إن نامت تعلم كل الحارة أن نجاح
تنام الآن، وسادتها بعض سحاب،
ألف المارة موعد يقظتها، ألفوا موعد
لمّتها في الحارة، ألفوا ثوب نجاح
من اللون الزاهي، والأحصنة المنقوشة
بخيوط من حطب القطن
تفر إلى كفيها
ثم تعود تحمحم
كان لديها سحر المشية، فتخر الأحصنة
على باب الجيب السفلي
لكي تتكلم لنجاح، خصوصا إن
نامت أو قامت لتزيح اللون
المعقود على كف امرأة من طين
الطيف ينام إذا نمت،فهل بعثته نجاح ليحرس
بعض صفاتي؟ طيف يتجسد،
ويشف، يقوم ويغفو
"تقول نجاح" ويمشي إذا أمشي
يرتاح كثيرا بين يديّ، ألفت
الغربة يين الناس إذا غبت عن
اللؤلؤة المعقودة في مفرق رأس نجاح،
الخمسينية توقظني إن تهت
على صفحات الماء،
ويحملني أحيانا إن كنت على عجل،
فأري نفسي مغمورا في سحب بيضاء
ويحمل عني عبء الأشياء، وأنسى
أني أتهيأ للوحي،
وأنسى أني في حالة ما
فوق الجسم، أسير إلى حلمي،
تحملني ذاتي
أحيانا لبراح من عشب ورمال،
أخبرني طيف نجاح
بأن الخمسينية بنت أبي،
تشتاق لرؤياي، وتحلم أن
تلقاني بعد الموت على حافة وقت
لا يدركه الأحياء ولا الأموات ...
ولكني أخشي أن نجاح تشق
مداها لي، وأراها ترمقني
ليلا ونهارا، وتهيئني لحياة ثانية،
وأنا من خوفي أن أحيا أتخيل
أني فيما بعد الموت، وكثبان الرمل
المزروعة في رأسي لخيال امرأة يتلاشي،
تتلاشي أمكنة كنت أمر عليها،
أوقظ أخيلة ترمقني خلف
سدود الوقت
أنا من ستين خريفا أشتاق
لرؤياي
وسبحان العاطي
***
الخمسينية أختي ليست كالناس
ولم يخلقها الله من الطين أو الماء
بل أعطاها قوة ريح
آيبة من صحراء الغيب،
بأس حديد أنزله الله
على جسدمفرود كالسرو،
نجاح معمرة، من يحسبها ماتت
فلييقرأ ثانية "يس" و "طه"
فهي تعيش على أشجار النيل، تحول في الصبح
إلى خيط من نور يتجلى للحناء
فتصحو من رقدتها، تمشي ،
فتصير الحبل الممدود
من الظلمة للنور، وتمسك قمح الغيطان اليقظى
فيصير بإذن يديها خبزا ربانيا
تناديني للغيب، فأسعى ناحية الطيف
لعل يماما من أفق اللغة يفيق،
ويسحبني ناحية الغار الساكن في كف نجاح،
فناديني وقت تشائين، أنا أنتظر على ضفة
نهر جار في حناء يديها
أعلم أن الله سيخلق من نطفتها
كونا آخر، حتى تتبعها أزمنة أخرى
نجاح الآن بكل مكان،
سيدة تنتظر سموات وأراضين
لنحيا فيها ثانية، بالأجساد الأولى






من ديوان "جسدٌ رضيَ اللهُ عنه"


الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.