مقام عراق - خاتمة - تميم البرغوثي | القصيدة.كوم

شاعر فلسطينيٌّ (1977-) حقق انتشاراً إعلامياً واسعاً.


12433 | 5 | 4 | 8




تمدَّدَ هذا السُّرادِقُ جِدَّاً
كساءُ النَّبِيِّ يَضُمُّ الجميعَ
ستارٌ مِنَ الكَعْبَةِ انْشَدَّ كالدُّفِّ حَوْلَ الخَرِيطَةِ
جَدٌّ يُؤَجِّلُ خَوْفَ الصِّغَارِ مِنَ الصَّوْتِ بِالبْابِ
والصَّوْتُ بِالبابِ يَدْنُو
وفي الدَّاخِلِ المسلمونَ جميعاً
يُغَنِّي العَجُوزُ لهم كي يَنَامُوا
وَيَعْرِفُ أَنْ لنْ يَنَامُوا
وهذا الزَّمَانُ له بُحَّةٌ إذ يُغَنِّي
عِراقِيَّةٌ لَهْجَةُ الحُزْنِ أَصْلاً
ألا أيُّها الحُزْنُ مَنْ سَبَّبَكْ
وَفَوْقَ الخَلائِقِ مَنْ رَكَّبَكْ
ألا أيُّها الحُزْنُ مَنْ دَرَّبَكْ
أَنْ تُغَنِّيَ مُسْتَرْسِلاً هَكَذَا
فَيَا دَهرُ كُفَّ الأَيَادِيَ عَنْهُمْ قَلِيلاً
وَحَسْبُكَ يَا دَهْرَهُمْ أنَّهُمْ
كَرَمَاً
عَلَّمُوا الحُزْنَ أَنْ يُطْرِبَكْ

لِذِكْرِهِم لا للعَذْلِ إِطْراقي
يا عاذِلي وانْسِرابُ آماقي
مَنْ كانَ ذَا شَوقٍ واحِدٍ فَأَنا
أَقَمْتُ في الصَّدرِ عِيدَ أَشْواقِ
بَلا إلهي قيساً بِوَاحِدَةٍ
مِنَ المَها وَاْبْتُلِيتُ بِالبَاقِي

(أَنَاْ سْلِيمَانْ وَاحْبَابِي بَلاقِيسْ
عَشَرْ أَذْرُعْ جَدَايِلْهِنْ بَلا قِيسْ
إلهي بْوَاحِدَةْ مِنْهِنْ بَلا "قيسْ"
وَاْنَا رَبِّي بَلانِي بِالبَقِيَّةْ)

تَحَمَّلَ رَكْبُ الصُّبْحِ حَتَّى أَضَلَّهُ
بِرَمْلَةِ بَكْرٍ، كَاهِنٌ وَدَلِيلُ
فَللَّه رَكْبٌ يَسْتَقِلُّ بمُهجَتي
تَمِيلُ بِهِ الأَيَّامُ حَيْثُ تَمِيلُ
أَقُومُ بِحِمْلِ العِيسِ لَوْ سَمَحَتْ بِهِ
وَحِمْلِي عَلَى ظَهْرِ الجِمَالِ ثَقِيلُ

(تِشَابَهْ لِيلِي مِنْ هَمِّي وَظُهْرَايْ
وَاْخَبِّي الهَمِّ في قَلْبِي وَاْظِهْرَايْ
وَلَكْ يَا هَا الجَمَلْ ظَهْرَكْ وظَهْرَايْ
تِشِيلِ حُمُولِيْ وِحْمُولَكْ عَلَيَّهْ)

أَقُولُ لدَمْعَةٍ بِالعَيْنِ حَارَتْ
عَلَيْكِ العارُ ما لَكِ لم تُراقِي
إذا ما كُنْتِ عالِمَةً فَقولي
أَلا كَمْ كَرْبَلاءً بِالعِراقِ

(هَوَاكُم سَار مَعْ دَمَّي بِاْلِعْرَاقْ
نَخِلْ سَارِحْ وَاْكُو مِنْجَلْ بِاْلِعْرَاقْ
أَلا كَمْ كَرْبَلا صَارَتْ بِاْلِعْرَاقْ
وَكَمِّ حْسِين دَاسَتْ خِيل أُمَيَّةْ)

أَمِيرَ المؤمنينَ خَلاكَ ذَمٌّ
أَتَدْرِي ما أَصَابَ المؤمِنِينا
زَمانٌ هَوَّنَ الأحْرَارَ مِنَّا
فُدِيتَ، وَحَكَّمَ الأَنْذَالَ فِينا
فَمَا زِلْنَا نَلُومُ عَلَى ذَوِينا
وَنُهْدِي اْلاعْتذَارَ إلى بَنِينا
فَلَوْ مِتْنا وَقِيلَ لنا اْسْتَعِيدُوا
حَيَاتَكُمُ القَدِيمَةَ ما رَضِينا
كَأَنَّا عَابِرُونَ عَلَى سِراطٍ
إذا جُزْنَا فَلَسْنَا عَائِدِينا

(أميرَ المؤمنينَ وْإنْتَ عِدْنا
كريمِ الكَفِّ تُوفِي إِنْ تَعِدْنا
سَلِ الأرْوَاح تِرضَنْ أَنْ تَعُدْنَه
يِجَاوِبْنَكْ: عَبَرْنَا وْهَايْ هِيَّه)

هَلْ أَنْكَرَ النَّاسُ أَمْرَ الموتِ أَمْ أَلِفُوا
أَمِ الرَّجالُ لَهُم مِن حُزْنِهِمْ حِرَفُ
رَأَيتُ زَيْنَبَ في أَصْفَادِها تَقفُ
تَصِيحُ يا مَنْ عَلَيْنَا دَمْعَهُمْ نَزَفُوا
كُفُّوا لِسانَ المراثي إنها تَرَفُ

أُمُّ الرَّزَايا عَنِ الأحْزَانِ تَنْهَاكُمْ
فَلْتَسْمَعُوا فَهْيَ بِالأحْزَانِ أَوْلاكُمْ
يا أُمَّتِي لا تَخَافُوا مِنْ مَرَايَاكُمْ
وَاللهِ ما قُتِلَ المقْتُولُ لَوْلاكُمْ
فَاْلآنَ أَقْبَحُ مَا تَأْتُونَهُ الأَسَفُ

تَصِيحُ زَيْنَبُ يَا مَولايَ يَا سَنَدِي
يَا وَالِدِي وَاْبْنَ أُمَّي ثُمَّ يَا وَلَدِي
إِنَّ الحُسَيْنَ عِراقٌ حَلَّ في جَسَدِ
إنَّ العِراقَ حُسَيْنٌ آخِرَ الأَبَدِ
وَدَهْرُهُ أُمَوِيٌّ مَا لَهُ شَرَفُ

(تِصِيحِ الحُرَّةْ مِينَ اْنْدِبْ وَاْنَاخَايْ
وِمِنْ حِمْلِي الجَمَلْ بَرَّكْ وَنَاخَايْ
اْلْعِراقِ حْسِيْن مِتْجَسِّدْ وَاْنَا خَايْ
عِراقِيْ والدَّهِرْ مِنْ آل أُمَيَّةْ)

قال الراوي:
قَدِمَ الفَرَزْدَقُ هَمَّامُ اْبْنُ غَالِبٍ في صِبَاهُ
مِنَ الكُوفَةِ إلى المَدِينَة
فَدَخَلَ عَلَى أَبي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ
فَقَالَ لَهُ الإمام:
يَا همَّامُ، كَيْفَ تَرَكْتَ النَّاس؟
قالَ يا اْبْنَ رَسولِ الله
قُلُوبُهُمْ مَعَكْ
وَسُيُوفُهُمْ عَلَيْكْ
والنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ الله

(تِصِيحِ الحُرَّة عِنْدِيْ جْوَابْ مِنْ سَالْ
وَلا تْصَدَّقْ دَمِعْ اْلِعْيُون مِنْ سَال
مَعِي قَلْبَهْ وْعَلَيَّ السِّيف مِنْسَلّ
قَتَلْنِي وْهَمْ بَعَدْ يِبْكِي عَلَيَّهْ)

مأتمٌ في البلادْ
سُرادِقُهُ الليلُ
زُخْرُفُه مثلُ حالاتِ نفسٍ يُبَدِّلُ رَبُّكَ ألوانَها
فَثَمَّ بُكاءٌ رَجَاءٌ وَثَمَّ بُكاءٌ عِنَادْ
مأتمٌ في البلادْ
سُرادِقُهُ الليلُ
فيهِ النجومُ تحاوِلُ مُرْهَقَةً أنْ تَنَامْ
والظلامْ
مثلُ عنقاءَ سوداءَ في عُشِّها تَسْتَضِيفُ الحَمامْ
مأتمٌ في البلادِ سُرادِقُهُ الليلُ
والذِّكْرُ يُتْلَى على الحاضرينْ
حُسَيْنِيَّةٌ ليسَ تَبْكِي الإِمامْ
النبيُّ على بَابِها والحُسَينُ وباقي الأَئِمَّةِ
يستقبلونَ المعَزِّينَ دونَ سَلامْ
وتحسبهم في سرادقها ولدوا واقفين
وفي الدَّاخِلِ المسلمونَ جميعاً
وصفٌّ يواجِهُ صَفّاً من الجالسين
كأنَّ الوجوهَ مرايا الوجوهِ
يحِسُّونَ بالذنبِ إذ أنهم لا يزالون أحياءَ
لم يَلْحَقُوا بالحُمُولِ التي غَادَرَتْ مُنْذُ حِينْ
"أَتَأَخَّرْتُ؟" قالَ اْمْرُؤٌ لأخِيهِ،
فقالَ لَهُ :"بَلْ مَضَوْا مُسْرِعِينْ"
ينظرون إلى الأرض دوماً
كأنَّ الوُجُوهَ مرايا الوُجُوهِ
يخافونَ أن يَنْظُرُوا لِلأَمَامْ
ولكن إذا أبصرَ المرءُ وجَهَ أَخِيهِ
فذلكَ وقتُ انقطاعِ الكلامْ

فَجْأَةً، وَقَفَتْ زَيْنَبٌ في السُرَادِقِ
حَاسِرَةً، وجَمِيعُ بَنِي آدَمٍ يَنْظُرُونْ
وَقَالَتْ لهم أَنَاْ زَيْنَبُ بنتُ عَلِيٍّ
أسائلُكُم أيُّها النادِبونْ
أينَ صَاحِبُ هذا العزاءْ
إذا كان كُلُّ الرجال هنا والنساءْ
فعَلَى منْ، عَلَى مَنْ، يكونُ البُكاءْ؟

أبحثُ عن قبرِ من نبكي فلا أَجِدُ
فالشُّهَداءُ جميعاً هاهُنا وَفَدُوا
حَتَّى الحُسَيْنُ يُعَزِّيهِم بِمَنْ فَقَدُوا
هل ماتَ من أَحَدٍ أم لم يمت أَحَدُ
أم أنهم كلَّهم مَوْتَى وما عَرَفُوا
كُفُّوا لسانَ المراثي إنها تَرَفُ
** **





الآراء (2)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.