لا أرسم بابا للبيت
ولا نافذة يتحدر منها التوق إلى التحليق
أسوارا وزنازن رسمت حجارتها
وأنا في اللثغ الأول
أوهاما عن وطن لا يصبح وطنا
إلا حين نسوِّره بالخوف
ونطوِّقه بأنين العزف
وكلاب الصيد المبثوثين على بوابات الليل
وزوار العتمة عند بهوت الصرخات.
**
لا أرسم شمسا أو قمرا في دفتر رسمي
فأنا منذ اللثغ الأول علمني سيف الخوف
أن أرسم حقلا مزروعا بالعتمة
وبلادا ينبت فيها الحزن ليعلو فوق النجمة
وشوارع تتلوى برجال الأمن
وجنودا يرتكبون الذبح على صوت بكاء الأطفال
وصراخ النسوة في الثكنات
لا أرسم أرضا خضراء
يُزهِّر فيها الحب وتعلو فوق اللعنات
فأنا منذ الحب الأول
كنت أهرِّب أحلامي السريّة للغابات
وأمزق ما أكتبه حرفا حرفا
حتى لا يلقي القبض عليّ
عفاريت الوالي والسلطات.
**
لا أرسم بابا .. نافذة .. سجنا .. أو نصف سماء
العالم من حولي مشروخ
والكلمات
لا تشبه شيئا في الوطن العربي سوى الطعنات.
**
أعترف بقهري
ما سرت قليلا أو بضع خطى
إلا سارت خلفي أعينهم
ما ارتفعت أنفاسي أو هبطت
إلا وجدت سطرا بالخط الأحمر
في دفتر حراس الكلمات

ما قلت أحب بلادي
أو أستشهد من أجل بنفسجها
إلا اتهمتني أعينهم بالمُندس
ولذا قررت بأن أخرس
وأدقق في لون العينين
وأعدد أسمائي الحسنى في كتب القهر
وأوردة المحزونين
منذ بزوغ الفجر وحتى القبر
لأعلِّي بابا علمني أن أرسم قِطعا دهماء
بلا لون أو طعم أو معنى أو آت.
**
لا أحفل بخطاي إذا تعبر في الشارع
أو تتلفت حولي
هل يتبعني العسس
هل قالوا إني مقهور، وأسير وحيدا
وأفكر بالتحليق ولو فوق سطوح الغيمات؟
**
لا أرسم إلا كلمات مبهمة
تتنزل من بوابة آذار
لتحرك قلبي في كل تشارين الثورة
الثورة قادمة والثوار
يلتمسون قليلا من زهو الإعصار
وبعض تراتيل الهبات.
**
لا أرسم بابا أو نافذة أو عصفورا
علمني استاذ القمع الأول في وطني
أن أقرأ في كل صباح سورة "عاش الليل"
"عاش الجلاد ابن الجلاد"
"عاش الأوغاد"
"عاش زبانية الموت "
"عاشت سارية العلم الوثني"
على أكتاف اللعنة والآهات.
**
لا أرسم إلا سورا يطّاول في زنزانة رأسي
فأنا ولد يتربى في كل صباح ومساء على سور الأقزام
ويرتل في أول ساعات الصبح وعند الظهر
وقبل صلاة الفجر
مدائح للسلطات.
**
لا أعرف إلا "عاش الظل"
"ونام الظل"
"وركض الظل"
"وحزن الظل"
يا ظل هل يكفيك بأني لا أحلم
إلا بمناديل ترفرف فوق سطوح الدور
وأصوات ترفع هامتها في كل صباح
ومساء بالثورات.