في الصيفِ الماضي
في أَولِ تَموز على قارعةِ الفَجرِ الِفضيِّ لِميلادي
أَجْلَستُ الحُزنَ على مُتَكَئي
وَوَقفتُ أُراقِبُ عَن كَثَبٍ عُمري
يَهوي نَحو السَنواتِ التاليةِ.
..
في ذاكَ الصيف
تَوقفتُ قليلا قُربَ رَمادِ الشَعرِ
جَذَبَتْني المرآةُ بِوجهي الأشقر
قُلتُ أنا المرآةُ
أنا وَجهي
وَأنا في العُمرِ بما أحْمِلُهُ من ضَنَكِ الوعيِ
وَمِن هَدْأةِ هذي الروح المَشقوقةِ بالصبرِ
أنا
قُلتُ زَوانٌ يَتَفَتَحُ بارقةً من تيهٍ
ويُسافرُ في لَمعانِ العُمرِ قليلاً
لكنَ العُمرَ يَفِرُّ
وَتبقى السَنواتُ على كاهِلِها باذخةً بالآتي
أما وجهي في المرآةِ
فلن يأتي بِعدَ فَرارِ السنواتِ.
..
في ذاكَ الصَيفْ
وَجهي لِلْمرآةِ
وَظهري لِجِدارِ العُمرِ
وَليسَ سِوايَ هُنا يُمتِحَنُ
يَتفرَّجُ مِن ثُقبِ العُمر عَلى ذاتي
يَبحَثُ عن وَجهي
لكِنْ لا يَجِدُ سوى مِرآةٍ
تَتَهَشمُ تحتَ الضَوءِ
وَتَسْرِقُ وَجهًا أشقَر
قالَ زُجاجُ المرآةِ: مَلامِحهُ لي
وَالغَصةُ في نَظْرَتهِ لي
وَالتيهُ المُتَرَبِعُ كَنبيٍ فَوقَ جَبينيَ لي
وَالوَقْفَةُ كَالُرْمحِ عَلى أرضٍ مُوحلةٍ لي
وَالأكتافُ المائِلةُ نَحوَ الضَوءِ تَمامًا أكتافي
وَبأني غَيْريَ وَسِواي
فَإذا ارْتَبَكَ المَعْنى في المِرآةِ عَليّ
سَأُحَضِّرُ مِن زِئبقِ رُوحي
جِنيَّاً يَتَعَثرُ بِالسِحرِ
وَيُقاومُ وَقْفَتَهُ المَلكيةَ قُدّامَ المِرآةِ
وَيُبللُ مِنديلَ الرَغبةِ بِالفَصلِ القائِظِ
وَيُعمِّر وَطنًا مَسْروقًا
وَبِلادًا لا تَعْرِفُني
وَقُرىً تَتَلوى بِالجوعِ وبِالفاقةِ
وَالظَلْمَةِ في لَيلٍ الخَوفِ العاتي.
..
في فَصلِ الصَيفِ
لا فَرْقَ لَديَّ سِوى ما اخُتلفَ عَليّ
وَجهي
وَحِواري غَيرِ المُجدي مع طَيفِ نَبيّ
وَأمامَ المِرآةِ بِكلِ نَذالَتها
صُوري المَمْحُوةُ في الضَوءِ
وَسَرابٌ يَتَوَقَفُ كَيْ يَمْنَحني بَعْضي
وَيُسافَرُ حَتى العَتمةَ فيّ أناتي.